هل يتعاطف 'لقشة من الدنيا' مع المثليين والمدمنين في تونس؟

فيلم للمخرج الشاب نصر الدين السهيلي يتطرق الى أوجاع ومعاناة فئة منسية ومنبوذة ويثير موجة من الجدل في صفوف النقاد بين مرحب به ومستهجن له.

تونس –  يغوص الفيلم التونسي "لقشة من الدنيا " للمخرج الشاب نصر الدين السهيلي في معاناة وأوجاع شريحة كبيرة من شباب أدمنوا المخدرات وانغمسوا في مستنقع المثلية المحرمة في الشرع والقانون.
ويثير الفيلم الذي عرض مؤخرا في أيام قرطاج السينمائية، وهو أول أعمال المخرج نصر الدين السهيلي التسجيلية، قصة حب بين رجلين رمت بهما ظروفهما الاجتماعية القاسية وانسداد الآفاق إلى عالم المخدرات على أمل نسيان الواقع المرير.
ويتطرق العمل المثير للجدل الى مناطق شائكة ومحرمة في نظر البعض ويتجاوز وفقا لمتابعين الخطوط الحمراء بما انه ينبش في دهاليز الحب والجنس بين المثليين.
ويغوص العمل المنتظر عرضه قريبا في قاعات السينما في تفاصيل علاقة متشنجة أحيانا وحميمة أحيانا أخرى بين "رزوقا" الذي وجد نفسه بدون عمل بعدما طُرد من إيطاليا بسبب المتاجرة بالمخدرات، و"فانتا" المتسوّل الذي نبذته عائلته.
وتعدّ المثلية الجنسية من المحظورات القانونية والاجتماعية في تونس، وتتعامل السلطات مع مثل هذه المسائل بعقلية زجرية تثير الاستياء وسط الطبقة الحقوقية.

لقشة من الدنيا
نسيان الواقع المرير

وبعد الثورة التي اطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، خرج المثليون الى العلن في تونس واستفادوا من مناخ الحرية الوليدة في البلاد.
ورغم ان هؤلاء اسسوا جمعيات وتحدثوا إلى وسائل إعلام، إلا ان وضعهم بقي هشا بسبب رفض اجتماعي كبير في بلد يدين بالاسلام، ويجرم القانون فيه العلاقات الجنسية المثلية.
وطالب ائتلاف منظمات تونسية للدفاع عن المثليين في تقرير رفعه الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بإلغاء تجريم المثلية الجنسية في القانون التونسي.
واعلن "الائتلاف التونسي لحقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا" في بيان انه رفع الى المجلس تقريرا بـ"الانتهاكات" التي يتعرض لها اغلب المثليين في تونس.
ويتكون الائتلاف من جمعيات "دمج للعدالة والمساواة" و"شمس" و"شوف" و"كلمتي" و"مبادرة موجودين من أجل المساواة" وفق البيان.
واستعرض التقرير "الإطار القانوني الزجري والتمييز والعنف الذي يتعرض له المثليون والمثليات" في تونس "بسب الترسانة القانونية الرادعة والمكرسة أساسا عبر الفصل 230 من القانوني الجنائي".
ويعاقب هذا الفصل "مرتكب اللواط أو المساحقة بالسجن مدة ثلاثة اعوام". وطالب التقرير بـ"الإلغاء الفوري" لهذا الفصل.
ويقول المخرج الشاب "الفيلم يكشف عن مشاكل حقيقية مسكوت عنها مثل المثلية الجنسية".
وقدمت لجنة رئاسية مكلفة منذ صيف 2017 بالنظر في ملف الحريات الفردية في تونس، مقترحات إصلاحات اجتماعية واسعة غير مسبوقة تتناول خصوصا عدم تجريم المثلية الجنسية، كما دعت لوقف الفحص الشرجي "اللا إنساني" للموقوفين.
ويدق "لقشة من الدنيا" ناقوس الخطر حول مآل المدمنين على المخدرات الذين يدمر مستقبلهم ويموتون ببطء من دون التفاتة من الطبقة السياسية.
ويغوص الفيلم في عالم المخدرات وكيفية شرائها وطرق وحيل استهلاكها وترويجها.
وأثار استفحال ظاهرة الإدمان في تونس على المخدرات خلال السنوات الماضية سخط الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين ونشطاء المجتمع المدني.
و"الزّطلة" اسم يطلق في تونس على "القنّب الهندي" وهو نبات مخدّر ينتشر في العديد من البلدان.
واستهلاك "الزّطلة" ارتبط في أذهان التونسيين بمآس أصابت آلاف الشبان والمراهقين ومن بينهم تلاميذ معاهد ثانوية وطلبة جامعات وقضى على مستقبلهم نهائيّا.
وتنتعش تجارة الزطلة والمخدرات بعد العودة المدرسية والجامعية، وتتالى صيحات الفزع من آثارها المدمرة على حياة ومستقبل المراهقين والشباب.
وأرجع مراقبون تعاطي المخدرات إلى عدة عوامل نفسية واجتماعية وأيضا إلى المناخ العام الذي تعيشه البلاد والمتسم بحالة من الفوضى وانسداد الآفاق.
وتختلف المخدرات المستهلكة حسب الوضع الاجتماعي حيث تنتشر مادة "الزطلة" في الأحياء الشعبية مثل حي التضامن الذي يعد أكثر من 500 ألف ساكن وتبلغ نسبة الفقر فيه 60 بالمائة فيما تصل البطالة إلى أكثر من 70 في المائة.
أما في الأحياء الراقية فينتشر استهلاك الكوكايين والهيروين مثل حي النصر الواقع شمال تونس العاصمة وتقطنه الفئات الميسورة.
وأظهرت دراسة ميدانية حديثة أن 30 بالمائة من فتيات تونس مدمنات على مختلف أنواع المخدرات وأن هذه النسبة ترتفع لدى الطالبات بالمعاهد الثانوية وبالجامعات لتبلغ 40 في المائة مقابل 60 في المائة لدى الذكور.
ويقول بطل الفيلم عبدالرزاق كشوطي "نريد من خلال هذا العمل لفت انتباه أصحاب القرار إلى الحياة الحقيقية لهذه الفئة المنسية والمنبوذة التي أدارت لها الطبقة السياسية ظهرها".

لقشة من الدنيا
القانون والمجتمع بالمرصاد للمثلية

وقال الناقد التونسي كمال الشارني "الفيلم ياخذك إلى العوالم السفلية لمدمني الزطلة والسوبيتاكس من المهمشين الذين ألقت بهم المخدرات خارج الاهتمام العام رغم أنهم بشر بأحلام ومشاعر متدفقة".
ويقول الصحافي نورالدين بالطيب "شريط موجع فيه إدانة ضمنية للثورة التونسية التي لم تغير من حياة التونسيين شيئا بل زادتها قتامة".
على الجانب الاخر اعتبر نقاد ان الفيلم تجاوز الخطوط الحمراء وأظهر تعاطفه ومساندته الضمنية لفئة خالفت القانون والدين الاسلامي وشقت طريق الانحلال الأخلاقي.
واعتبر متابعون ان "لقشة من الدنيا" هدفه تجاري أكثر منه توعوي، وان مخرجه راهن على موضوعه الصادم لكسب ود المشاهدين بالدرجة الاولى وجعلهم يتهافتون على شابك التذاكر.