هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه 14‎‎

تراث التشيع يكاد يتطابق مع تاريخ "العبودية المقدسة".
القول المنقول يتحول الى إيمان مشفوع بتوخي رضا الله
إن أراد البشر العيش الرغيد والخير المديد والتحول لعالم جديد لزم اتباع الإمام اتباعًا أعمى!

يُشير السيد كمال الحيدري الى أن مرجعية السيد الخامنئي ذات طابع سياسي وليس فقهيا، وهنا قد يحتج محتج على السيد الحيدري ويستدل بأدلة تقول أن مرجعية السيد الخامنئي فقهية أولًا، ثم يأتي التصدي للسياسة بمقام ثان، وقد يحتج ثالث بأن مرجعية الخامنئي جامعة للفقه والسياسة بقوة متساوية ولا نقصان في جانب، وقد يُضيف رابع ادعاءً يضفي جانبًا أو جوانبًا أخرى يحوزها الخامنئي في تصديه للمرجعية فيكون فقيهًا وسياسيًا وعرفانيًا وحافظًا لعلوم الصادق الطبية ومتقنًا لترتيل القرآن وتفاسيره.

ولكن؛ عصر التقنيات والتطبيقات العلمية الذكية وما وصل اليه الطب والكيمياء، وبقية النواحي العلمية، فضح الإدعاءات العتيقة، تلك التي راهنت على التراث وقدمته على أنه قمة العلم ومنتهى العلوم، وأن رجالًا يعلمون ما لا يعلمه الأولون والآخرون، ولا بد للعالم، كل العالم، وفي كل عصر ومصر الرجوع الى أُولئك الرجال القدامى، الأموات، لأنهم الطريق الأوحد للعلم وإلا ضل العالم البشري وغرق في جهل وغفلة وتخلف!

هذا ما دأب على ترويجه سادة الشيعة وشيوخهم ومنابرهم، ودفعوا لهذا الغرض المال، واستغلوا كل مناسبة، ورفعوا أصواتهم بإصرار، وخاطبوا جميع الأقطار أن لا علم يضاهي علم الإمام المعصوم من علي الى محمد "من علي بن أبي طالب الى محمد المهدي بن الحسن العسكري" فإن أراد البشر العيش الرغيد والخير المديد والتحول لعالم جديد لزم اتبّاع الإمام إتِباعًا أعمى!

تفضلت علينا العقول العلمية بتحليلات وتشخيصات نفسية واجتماعية وحتى جينية وبايولوجية افهمتنا علل في النفس البشرية ما كنا لنهتدي لفهمها لولا إن هدانا العلم، وفي هذا المجال نطرح السؤال التالي:

لماذا يرغب بعض البشر بالعبودية ويمجدونها ويدافعون عنها بثبات وعناد؟

تعريف العبودية:

"حالة شَخْص أَو شَعب محروم من الحُرِّيَّة والاسْتِقلال، رِقّ، اِسْتِرْقاق للأَشياء"؛

"خُضوع واستِسْلام".

التعريف الثاني يصف حال نسخ البشر الذين أتحدث عنهم؛ العبيد بملء إرادتهم، المدافعون عن السيد الذي يستعبدهم، الراغبون حد التلذذ بمشاعر العبودية ونتاجها المادي، المقاتلون في سبيل العبودية، الجهاديون المستعبدَين بمشيئهتم ورضاهم، المتفانون حد التضحية بالنفس والمال والعيال ليحيا السيد وينعم بالمال والعيال والتسلط.

يصف علي بن أبي طالب العبيد الذين رغبوا في العبودية ورضوا بها وانجذبوا لها رغبًة بها وتلذذًا بنيرها:

"ألم أقل لكم لنا أقوام لو قطعناهم بالسيوف اربًا اربًا ما ازدادوا فينا إلا حبًا".

ولهذا الحديث قصة:

جاء في كتاب "الدمعة الساكبة"، وفي كتاب "بحار الأنوار"، وفي كتاب "الروضة"، وكتاب "الفضائل" لشاذان بإسناده الى الأصبغ بن نباتة انه قال:

(كنت جالساُ عند أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة وهو يقضي بين الناس اذ جاءت جماعة ومعهم أسود مشدود الاكتاف فقالوا هذا سارق يا أمير المؤمنين فقال يا أسود أسرقت قال نعم يا أمير المؤمنين قال له ثكلتك أمك ان قلتها ثانية قطعت يدك قال نعم يا مولاي قال ويلك انظر ماذا تقول أسرقت قال نعم فعند ذلك قال أمير المؤمنين اقطعوا يده فقد وجب عليه القطع قال فقطع يمينه فأخذها بشماله وهي تقطر دماُ وخرج من المسجد فاستقبله رجل يقال له ابن الكواء فقال يا أسود من قطع يمينك؟

قال قطع يميني سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين وأولى الناس بالمؤمنين ويعسوب الدين وقبلة العارفين وعلم الراشدين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين فارس بدر وحنين وأبو الغر الميامين وخليفة رسول رب العالمين والشفيع في يوم الدين المصلي احدى وخمسين؛

قطع يميني الامام المجتبى وغاية المرتجى والمثل الاُعلى والعروة الوثقى ومن هو نظير هارون من موسى؛

قطع يميني امام الحق وسيد الخلق بعد رسول الحق مظهر الدين ومبيد المشركين والجاحدين وخير الصالحين وحبل المتين ومن هو حبيب رب العالمين؛

قطع يميني هاشمي مكي مدني طالبي حجازي تقي نقي وفي بصري بهي زكي لوذعي........) وقد اقتطعت من وصف العبد لعلي بن أبي طالب فتركت الكثير لطول الحديث.

تلاحظون أن الرواية تصف مقطوع اليد بالعبد وتنقل عن لسان العبد وصفه لسيده الذي قطع يده، وهذا النوع من الروايات، والتي أصفها بـ "تراث العبودية المقدس" شكّلت ثقافة وتربية ونفسية الشيعة ولقرون.

هذه الرواية التي نقلتها لكم سرت في النفسية الإجتماعية الشيعية وشكلت علاقتهم بأسيادهم فتجلّت في يد الخميني وهي تتدلى لينكب عليها الاتباع سجودًا بالقُبلات، وفي عرش الخامنئي وهو يواجه الاتباع الذين افترشوا الأرض وهو جالس على كرسي، وفي أفواه عمائم تدوس على كرامة الموالين المستمعين لسيل الإهانات وقسمات وجوههم خاشعة لمن اعتلى المنبر وراح يكيل لهم التوبيخ والقذف والتنكيل حتى أن الخطبة تصل الى حد تسقيط من يحضرونها. إنهم كالعبد الذي قطعت يده بأمر سيده فقابل البتر بسيل طويل من تمجيد سيده، وهذا شأن العبيد في زنزانة العبودية المقدسة.

"ومن عظائم الأمور حقًا، وإن بلغ من الانتشار حدًا يدعو الى العجب أكثر مما يبعث على الحزن، رؤية الملايين من الناس يخدمون على نحو يُرثى له، والنير في اعناقهم، من دون أن يكونوا مكرهين على ذلك من قوّة أكبر، بل لأنهم، على ما يبدو في صورة ما، مسحورون ومفتونون بإسمٍ واحدٍ ليس إلا، ما كان ينبغي لهم أن يرهبوا سطوته، لأنه وحيد، ولا أن يُحبوا صفاته لأنه يعاملهم معاملة لا إنسانية ووحشية" (كتاب العبودية المختارة، ص 23، إتيان دو لا بويَسي)

من الدوافع القوية لتقبّل العبودية، بل والتعبد بها ولها، تقبّل قول منقول يحكي عن فضيلة في شخص غابر أو مكانة علمية في رمز منقرض. ويحل القول المنقول في ذهن المتلقي، وبمعونة التقديس وإشراف مواعظ التخويف من غضب الاله يتحول المنقول الى إيمان مشفوع بتوخي رضا الله، وبعد زمن طويل وبين جموع غفيرة يتشكل هذا الدين المتين، وهكذا يتخلق عبد جديد، وتنتعش العبودية المقدسة التي هي تراث العبودية المقدس.