وحدث العدوان الثلاثي الثاني، ثم ماذا بعد؟

-1-

لم يحدث العدوان الثلاثي الأول بسبب من أن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر كان يقتل شعبه، ولا بسبب أسلحة كيمياوية آو ذرية أو جرثومية، وليس لأن ناصر لم يكن ديمقراطياً، وإنما بالأساس لأن عبدالناصر تجرأ على الوقوف بوجه الغرب ونفوذه وأمم قناة السويس.

واليوم، سوريا ستطرد الغرب وأميركا ليس من سوريا فحسب وإنما من الإقليم كله، وربما من الشرق الأوسط الذي كانوا إلى فترة قصيرة يخططون لأبعاده وحدوده ومقاصده، ويخطئ من يظن أن هذا ليس هو السبب الحقيقي وراء هستيريا الغرب وأميركا وأذيالهم في المنطقة، فما تسعى له سوريا وحلفائها أمر جلل، يعني بداية عصر جديد ليس في المنطقة بل في العالم بأسره.

ومثلما كان العدوان الثلاثي الأول تدشينا لعالم آخر حددت معالمه حرب السويس، تسلمت فيه أميركا مقاليد المنطقة من الإمبراطورية العجوز، ومن فرنسا التي أفل نجمها، فإن عدوان نيسان 2018 سيدشن إنتقال التأثير لقوى أخرى صاعدة عسكريا وإقتصادياً، وسيمنح شعوب المنطقة تحكماً بمقدراتها أكثر من السابق.

التهويل الذي سمعناه قبل العدوان يشير إلى حجم الغضب لدى هذه القوى الآفلة، وحجم العدوان ونتائجه يشير إلى حقيقة الفعل الذي يمكن لها أن تفعله في إطار وضع توازن رعب كوني، لم يجعلهم يحتكرون القوة، والقدرة على البطش وإلحاق الأذى بالآخرين.

-2-

ماذا كانت تريد أميركا من عدوانها هذا؟

يقول الخابطون خبط عشواء وبلا دراية، والذين يطلقون القول على عواهنه، أنها أرادت تقوية الأسد، هؤلاء لا يرون إلا أوهامهم، يريدون منا أن نقتنع أن أميركا مع الأسد، مثلما هي مع إيران، وأن إسرائيل تدعم وجود الأسد، وهي في حلف خفي مع نظام الملالي في إيران، لا نقول هؤلاء ما لا يقولون، ومن أراد التآكد فما عليه سوى الإستماع لهم عبر التلفزيونات المتكاثرة تكاثر الفطر الضار، وعبر الكتابات المتحذلقة التي تريد أن توهم القراء بأن صاحبها يفهم أكثر مما يفهم غيره، وأن فهمه يفيض معرفة ودقة تحليل.

دليله أن نتيجة الضربة أقرب لأن تكون صفراً، وأنها لم تمس النظام، وقواه الضاربة، مثلما لم تمس إيران أو روسيا، وكانت نتيجتها بالإضافة إلى ضرب مواقع مدمرة وخارج الصلاحية والعمل فإن 107 من الصواريخ الذكية جرحت ثلاثة أشخاص فقط لا غير.

هو لا يبحث عن الإجابة عن تساؤلاته هذه في غير الملعب الذي تعود اللعب فيه، وملعبه المعتاد لا ولن يقدم إجابة.

نعرف أن روسيا لم ترد بشكل مباشر، علماً بأنه لا يهمنا الشكل غير المباشر للرد، فالعدوان كان مباشراً، ومع سبق الإصرار وقصد إهانة روسيا ورئيسها، وإشعار الحلفاء والأعداء بأن آميركا ولملومها موجودة على الساحة، وأن روسيا ليست لوحدها المتحكمة في سوريا والمنطقة، لكننا لسنا في وارد التقييم العسكري الواقعي لما جرى، وما سيجري لاحقاً، فهذا موكول لتقدير العسكريين المحترفين، الذين يعرفون أن الرد ليس دائما من جنس الفعل، ونرى أن روسيا لو تجاوزت ضغوط الغرب وإسرائيل وزودت سوريا بمنظومة أس 300 وأس 400 وإسندر تكون قد ردت بأبلغ رد، سيجعل المعتدون يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على أي عمل عدواني، إعتادوا عليه، أما طرد أميركا من الأراضي السورية فستتكفل به قوى أخرى، لا أشك في أنها ستجعل بقاء الأميركان في هذه الأرض جحيماً.

-3-

يأتي هذا العدوان بالترافق مع إنتصارات في الساحة السورية، هي وحدها التي ستقرر الحل المرتقب للكارثة التي أشعلوها، وهذا العدوان لم يمنع سوريا وشعبها الصابر من الإحتفال في شوارع دمشق والمناطق المحررة بالنصر الكبير.

الذي انتصر على العدوان هو الصمود والإصرار على مواصلة المقاومة، هذا الرد عندي أبلغ من إسقاط 71 صاروخاً ذكياً، وهو الذي سيحدد معالم المستقبل.

أراد العدوان إرسال عدة رسائل، من الواضح حتى الآن أن جلها فشل فشلاً ذريعاً، ويظل الأهم أن لا يقتصر المنتصرون على دائرة ومتطلبات الدفاع العسكري ومستلزماته الواجبة، فللشعب الصامد، البطل، المضحي، المنتصر، حقوقاً غير قابلة للتأجيل، لتفتخر سوريا بإستقلال بلدها وحرية شعبها، فكل التضحيات كانت من أجل الإستقلال والحرية.