رأي في الخصومة الإسرائيلية الإيرانية، ومقارنة محايدة‎‎

إسرائيل تتعامل مع مشكلتها الفلسطينية بمرونة وتوقع اتفاقيات سلام وقبول بسلطة. أنظروا كيف تتعامل إيران مع مشكلات مكونات شعبها: لا تتعامل أصلا وكل شيء جبري.
ايران تفرض لغة عرق وترفعها فوق بقية اللغات والاعراق
لا أمل في تغيير موقف النظام في ايران من تطلعات المكونات غير الفارسية

ليس افضل من كلمة محايدة توضح الواقع وتُبين الوقائع، فلا المهاجم مُنصف ولا المُدافع.

جرت مواجهة إعلامية لم تخلُ من مشادات كلامية ورفع السبابة بوجه الآخر تحذيرًا من مصير قادم قاتم ينال دولة الآخر ومواطنيها. المواجهة جرت عبر شاشة فضائية روسيا اليوم بين الباحث الإسرائيلي مردخاي كيدار والمحلل السياسي المنحاز لإيران الساكن في لندن نجاح محمد علي، وقد تبارى الخصمان في اطلاق سيل من التهديدات والتحذيرات فكان كُل منهما يتوعد بزوال دولة الآخر وذهاب ملكها، ولنا في هذا الشأن رأي محايد.

بيّن كيدار أن هناك غبن ومظلومية طالت مكونات عرقية ودينية في ايران تجنّى عليها النظام الحاكم في طهران إذ رفض وبشكل قاطع اعتاقها من سطوته السيادية ويصر وبقوة على تذويبها في مساره السلطوي بالرغم من المطالبات الدائمة والحثيثة لنيل استقلال يتناسب مع خصوصية كل منها وتمايزها عن غيرها من المكونات المنضوية في جمهورية ايران الفقهية. وقول مردخاي كيدار حق وواقع، فالمكون الأحوازي يطالب بإستقلال، والكرد كذلك، وغيرهما يطالب بحقه في استقلال، أو نوع من الاستقلال، ولكن النظام الديني الإيراني يتشدد بوجه هذه المطالب ويقمعها بكل قوة مُتاحة، فالغلبة والسطوة تقتصر على المهيمن الفارسي.

بشّر مردخاي كيدار بثورة قريبة في ايران ينهض فيها العرب والكرد والسُنة وغيرهم لنيل حقوقهم في الخصوصية وشكل الحكم، وهذا ما حدث ويحدث منذ قيام الثورة الشيعية الفارسية بقيادة الخميني وسيطرته على مقاليد الحكم وفرض دولة بلون واحد وعرق واحد ومذهب واحد، فنظام ولاية الفقيه لا يقر التنوع، ولا يعترف بالتعددية، ولا يرى غير الذي يراه ويرتأيه، والمادة الثانية من الفصل الأول من دستور جمهورية ايران الاسلامية الشيعية يفرض السياسة والمذهب كنظام للحكم، مقدس (5: الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار ثورة الإسلام) وفي التمهيد الذي أفتُتِحَ به الدستور الإيراني وردت عدة نصوص تفرض شكل الحكم وتوجهه وقدسيته:

"تمهيد:

وقد توصل الشعب الإيراني المسلم بعد مروره بتجارب النهضة المناوئة للإستبداد،......، الى أن السبب الأساسي البيّن لفشل هذه النهضات هو عدم عقائديتها..

ولاية الفقيه العادل:

تمشيًا مع ولاية الأمر والإمامة، يهيئ الدستور الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائط."

" المادة الخامسة:

في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه."

والآن لنتمعن في المادة الدستورية التالية:

"المادة 15 من الفصل الثاني:

اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة لشعب ايران هي الفارسية. و"يجب" أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة."

لقد وضعتُ "يجب" بين مزدوجين للإشارة الى حالة الفرض؛ فرض لغة عرق ورفعها فوق بقية اللغات والاعراق من المكونات الأخرى، وهذ المفردة "يجب" تُبين أن المادة تُمارس الفرض والقسر ولا تُعبّر أو تتماشى مع واقع موروث يتعلق بلسان الناس ولغة غالبية المواطنين وإلا لما ظهرت "يجب" في بداية التوجيه والأمر الدستوري.

أمام كل هذا التأكيد الدستوري لا أمل في تغيير للموقف من قِبل نظام طهران تجاه تطلعات المكونات الإيرانية غير الفارسية، فالنظام الديني الفارسي الإيراني لن يذهب الى أوسلو للجلوس مع المكونات الأخرى والخروج بتسوية أقلها الحكم الذاتي كما حدث عند الطرف الآخر بعد اتفاق غزة- اريحا (إتفاق غزة-أريحا، والمعنون رسميا بإسم اتفاق حول قطاع غزة ومنطقة أريحا، وقّع في 4 مايو 1994 لاحقا لإتفاقية أوسلو، وفيه خلص الأطراف إلى تفاصيل الحكم الذاتي الفلسطيني. يعرف الإتفاق بإسم إتفاق القاهرة 1994.

أعطت الإتفاقية حكم ذاتي فلسطيني محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال 5 سنوات. وتبعا لهذه المعاهدة وعدت إسرائيل بالانسحاب جزئيا من أريحا في الضفة الغربية وجزئيا من قطاع غزة خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ التوقيع. انشئت السلطة الفلسطينية والتي أصبح ياسر عرفات أول رئيس لها في الخامس من يوليو 1994 / ويكيبيديا.)

السيد نجاح محمد علي كان من المناهضين لسياسات ولاية الفقيه الإيرانية القمعية، وكان يُدين ممارسات النظام الإيراني العنصرية، وكان يرفض الإجراءات التعسفية وإنتهاك الحريات، وكان فاضحًا لتلك السياسات والممارسات، ولا اعلم ما عَدَا ممّا بَدَا.. يا نجاح؟!

من الإنصاف وضرورات الحياد أن نقارن وبشجاعة بين موافقات اسرائيل على اتفاقيات باريس والقاهرة وأوسلو للسلام والسماح بقيام الحكم الذاتي الفلسطيني ووجود سلطة ورئيس ووزراء وعلم وشرطة وحركتي فتح وحماس رغم ما لإسرائيل من حضور قوي وغلبة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط؛ ورفض النظام الإيراني أن يكون للمكونات الإيرانية حكم ذاتي وسلطة وعلم وتنظيم خاص يرفع عنها نير الدمج القسري والضم القهري في دولة التمذهب الجبري.