ورطةُ الشيعي (2)

القرآن محرف وغير محرف. القرار بيد معمم وحسبما يراه.
هل من الضروري أن نفهم قول رجال الدين؟ نحن نتبارك بهم ونجلّهم وهذا يكفي
يقول الشيخ المعمم: كم من آية جلية في القرآن أنتهز بنو العباس الفرص لينقضوا عليها

ما بَرِحَ عبدالزهرة يتشبث بعمله القديم، هو عامل بناء، يقضي معظم النهار بين الطابوق والسمنت ونقل مواد مختلفة مما تُشيّد به المنازل والبنايات، وبعد ساعات من المشقة وتقبّل توبيخات وصراخ رئيس العمال أو "الخلفة" بحسب الدارج الشعبي الشيعي العراقي ينال أجرته ويرجع لأسرته منهك القوى متسخ الثياب يجر جسده جرًا لا يطلب غير الوصول للمنزل ليستريح، وهكذا قضى عبد الزهرة معظم سني عمره المُلبّدة بالتعب والعوز ومتطلبات العيش الثقيلة وتنمّر أسطوات البناء.

في يوم جمعة قصد عبدالزهرة مسجدًا قريبًا من منزله شُيّدَ حديثًا، حضه الحاج عبدالحسين أبو حيدر ليصلي في المسجد أو "الحسينية" بحسب الدارج الشعبي الشيعي العراقي، ولما ألح الحاج عليه استجاب على مضض، وقد وبخه بلطف وتوعده بالمقابل بأجر مضاعف لأن الصلاة في المسجد تعادل عشرات أو مئات الصلوات في المنزل، وقبل صلاة الظهر توجه عبدالزهرة الى المسجد ودخله مرتديًا جلبابًا رخيص القماش وبين اصابعه مسبحة هي الأخرى رخيصة وبصحبته الحاج عبدالحسين.

عندما اعتلى الشيخ المعتمر خرقة قماش بيضاء منبر الحسينية واستوى له الجلوس توجه للحضور داعيًا بالجهر وبصوت عال بالصلاة على محمد وآله وتكرار ذلك. وبعد أن فرغ المصوتون بدأ الشيخ حديثه برواية مشهورة تناولها الشيعة وقد أشار الى معمم جهبذ يُزاول تفسير القرآن في أحد الأضرحة لأئمة الشيعة، والمُفسِر رجل بعمةٍ سوداء طاعن بالسن، يقول ذلك المُسن المُفسِر ينقل قوله الشيخ: "الآية هكذا كانت: ’إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ وآل محمد عَلَى الْعَالَمِينَ،.. الإمام جعفر الصادق عليه السلام يقول هكذا نزلت، ولكنهم حذفوها."(1)

يُعقّب الشيخ: "والله أعلم؛ كم من آية جلية في القرآن أنتهز بنو العباس الفرص لينقضوا عليها ويبتروها أو يقتطعوا منها ما ينص على الإمامة ومن هم أهلها، فبتروا دلائل قرآنية ناصعة في إمامة علي وذريته الى القائم المهدي روحي وأرواح العالمين لمقدمه الفداء، ألا لعنة الله على من ظلم آل محمد".

خرج عبد الزهرة رفقة صاحبه الحاج عبدالحسين ولكن وجهه يعلوه جهامة وضيق. ولما انتبه الحاج الى وجه عبدالزهرة تحرج أن يسأله عن حاله وما اعتراه، وهكذا افترق الأثنان وقفل عب الزهرة راجعًا الى منزله، وظل مكفهر الوجه الى أن أسدل جفنيه في ساعة متأخرة من ليلته تلك.

في اليوم التالي، وقد توقف العمل بسبب نفاد مادة بناء، جلس العمال في باحة المنزل الذي يعملون لإتمامه، وانشغلوا بأحاديث متفرقة ومزاح وسجائر، وقد أوقد أحدهم في كومة من قطع خشب لتسخين الشاي، ارتفع صوت من المنزل الملاصق وكان يصدر عن مكبر للصوت بلحاظ قوة الصوت. وبنبرة ألفها الشيعة راح أحد مشايخ الشيعة المشاهير يتحدث في موضوعة تحريف القرآن، والحديث مُسجّل إذ مر على وفاة الشيخ عدة أعوام، يقول الشيخ: "وكذلك؛ كل قولٍ عندنا يذهبُ الى وقوع التحريف في القرآن الكريم فهو مردود على صاحبه ولا نقول به، ومن يقول خلاف ذلك فهو لا يعرفنا ولم يطلّع على تراثنا.... الكليني في صدر كتابه وضع شرطًا ينفي روايات التحريف."(2)

وصلت مادة البناء التي توقف بسبب نفادها العمل وتوزع العمال الى أماكن عملهم، وعلى وجه عبدالزهرة حيرة ثقيلة.

انقضى يوم وجسد عبدالزهرة قد أنهِك ومزاجه متعكر وفي قلبه غم ثقيل.

بعد تناول طعام العشاء أمر زوجته بإعداد الشاي وأكد عليها أن يكون مناسبًا للتذوق ومعتدل المذاق وإلا ستواجه ما لا يُحمد عقباه، وبعدم رضا سكب الشاي في فمه على دفعات ولم ينبس ببنت شفة. وما إن فرغ القدح حتى توارد الى أذنيه قول هاله صادر عن التلفاز، يقول المعمم بعمة سوداء الذي أطل من شاشة التلفاز: "أنظروا ماذا يقول العلامة المجلسي: فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحةٌ في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترةٌ معنىً". يُعقّب المعمم: اصلًا ماكو مجال للمناقشة، والتواتر بالمعنى يفيد ماذا؟ اصلًا هو من الأوليات، من البديهيات.(3)

هنا صاح عبدالزهرة بزوجته أن اطفأي التلفاز فامتثلت بسرعة وقد اخافها صوته وتلويحه بيده نحوها ونظراته الشزر.

أطرق برأسه وتافف وتحسّر وراح يُردد بصوت خفيض: استغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سألته زوجته: لِمَ تريد اطفاء التلفاز بدل ترك السيد المعمم ينشر البركة في المنزل بحديثه أو أطلب مني التحول الى قناة تُذيع القرآن؟

عبدالزهرة: هل فهمتي من قول السيد المعمم شيء؟

الزوجة: لا والله.. هل فهمت أنت

عبدالزهرة: لا والله

الزوجة: وهل من الضروري أن نفهم قول رجال الدين.. نحن نتبارك بهم ونجلهم وهذا يكفي

عبدالزهرة: كلامك عين الصواب.. أستغفر الله وأتوب اليه

-------------------

(1) مقطع يوتيوب بعنوان "المعمم مرتضى القزويني يعترف تحريف القرآن الكريم عند الشيعة."

(2) مقطع يوتيوب بعنوان "تحريف القران - الدكتور الوائلي رحمه الله".

(3) مقطع يوتيوب بعنوان "العلامة المجلسي يؤمن بتحريف القرآن | السيد كمال الحيدري."