أعمال نابضة تهتز خارج حدود المادة في 'وجوه الروح'
الفن هذ السير القديم المفعم بالنظر والتأمل حيث الذات في عنفوان أسئلتها تجاه الآخر والأكوان الضاجة بما يعتمل في الكائن من هواجس وأمزجة ونشيد..اللون نشيد الروح وعنوان تجلياتها وهي تعارك الرياح والعناصر والأشياء برغبة جامحة في القول والافصاح..ثمة ما يشي بالموسيقى في هذا السير وبالشعر وبالصور تتشكل في ايقاعها المخصوص لتشكل حالاتها بشؤونها وشجونها..انها كذلك فكرة الفن الماكثة في أقاصي التفاصيل يمضي تجاهها الفنان بكثير من حرقة الوله والغرام تجاه هذا المعبر عنه وعن شواسع روحه..
والفن بما هو فعل العقل والقلب والروح في الكينونة يدعو الفنان طوعا وكرها الى استكشاف ما بالدواخل ..هذه الدواخل المفعمة ببالحركة وألق العبارة والوجد والشجن هذا القادم عصارة الأحاسيس..هي اللعبة المشتهاة بضروبها وتلويناتها قولا بما ترسخ في الروح في حياتها الثرية بالحلم والفرح والانكسار والخيبات..
في هذه السياقات الحافة بالعلاقة بين الفن والكائن نمضي مع فنانة تخيرت الرسم والتلوين للذهاب الى ذاتها عبر الآخرين كشفا واكتشافا وهي التي عانقت منذ طفولة عابرة ومقيمة فيها هذه الرغبات تجاه الفن حيث عاشت طفولتها بمدينة حمام الأغزاز وفي بيئة بين الفن والعلم والروحانيات حيث أحبت الشعر والرسم والكولاج والتصميم وصولا الى الدراسة بالمعهد العالي للفنون الجميلة حيث درست وزاد هيامها الفني لتنهل من تجارب وأسماء على غرار بالعيفة بوجمعة وفوزية الهيشري وسامي بن عامر وعمر كريم ... ليكون لها التراكم المعرفي وتختص في هندسة الديكور لتتجه الى التدريس مع حرص على ترغيب التلاميذ في الفنون التشكيلية ومن ذلك اقامة معارض لأعمالهم وهذا كله في كثير من حميمية العلاقة مع الرسم والقماشة والأشكال والألوان ...مع مرور جائحة الكورونا عادت الى الرسم مسترجعة علاقتها العميقة بالفن.
انها الفنانة التشكيلية ألفة بن غزي التي كان ما ذكرنا جانبا مهما في تجربتها الفنية التي تعد الآن لموعد مهم ومحطة بارزة ضمنها ونعني معرضها الشخصي الأول بعنوان " وجوه الروح " الذي يفتتح يوم السبت 12 أكتوبر/تشرين الاول بفضاءات كنيسة سانت كروا بالمدينة العتيقة لتونس وباشراف من بلدية تونس ..ليتواصل الى غاية يوم 09 من شهر نوفمبر/نشرين الثاني المقبل.
وتواصل الفنانة بن غزي القول "تواصلت تجربتي برغبة قوية اثر عودتي للرسم بعد جائحة الكوفيد 19 حيث عملت ضمن ورشة الفنانة المميزة كوثر كسو الجلازي التي كان لتأطيرها وتوجيهاتها الأثر الطيب في عملي الفني حيث شجعتني لأن اعبر خلال الرسم بشخصيتي وأسلوبي الخاص.. وانطلقت في خوض التجربة لتكبر أعمالي بمساحاتها اللونية وخطوطها وتنوعت لوحاتي في أحجامها وكان القص والتلصيق والتجربة التقنية المزدوجة لتبرز الشخوص في لوحاتي التجريدية ولكن بلا ملامح في ضرب من تلمس جمالية التشخيصي والتجريدي وفق عمق وفلسفة للتعبير عن شخوص تعيش بداخلي وتتحرك في تنوعها بين الأمل والفرح والحركة والشجن والحزن والرغبة في التحليق والطيران ولكن يربط بينها ويجذبها ممسكا بها خيط هو الانجذاب الى الحياة والأرض وكما يقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش 'على هذه الأرض ما يستحق الحياة'.. انها رؤيتي أبثها في لوحاتي وأعمالي التي تتنوع محاملها في معرضي هذا من رسومات على الملابس والكؤوس وغيرها في تصور يقول بتقريب الفن والابداع من الناس وفي حياتهم اليومية وخلال مختلف استعمالاتهم المعيشية.. تعددت مشاركاتي في تونس وخارجها من خلال المعارض الجماعية والتظاهرات الثقافية والفنية التشكيلية ..معرضي هذا فيه 32 من أعمالي الفنية الى جانب "الديزاين" وبمقاسات مختلفة ...".
معرض شخصي بأعمال مختلفة بها قوة الألوان وتعددها ضمن لعبة الشكل واللون وخطوط في علاقة تكاملية.. معرض خاص لمزيد التعريف بتجربة الفنانة ألفة بن غزي التي تواصل ضمنها عملها الفني برغبة ودأب شديدين قولا بالفن ودوره الجمالي والوجداني والانساني والحضاري للشعوب والمجتمعات والثقافات المختلفة.
هذا المعرض ترفقه الفنانة ألفة بن غزي بكتيب فني يضم حيزا من أعمالها وفيه نص عن جانب من تجربتها كتبته الفنانة كوثر كسو الجلازي منه ما يلي:
"وجوه الروح" أكثر بكثير من مجرد معرض بسيط للوحات، فهو يمتد مثل ملحمة صوفية، تتكشف في ثلاث محطات عاكسة، وساحات معركة حقيقية حيث تتحول اللوحات إلى مرايا سائلة للروح البشرية. يصبح كل عمل لألفة بن غزي بوابة إلى غير المرئي، ودعوة لتجاوز المظاهر، والغوص وراء حجاب الأشكال لسبر أعماق علاقتنا مع العالم. ما الذي ندركه حقًا عندما ترى أعيننا سطح الأشياء؟ ما هي الأسرار، ما هي القصص الهامسة المخفية وراء الأنسجة، والملامح التي نعتقد أننا نعرفها؟ رحلة داخلية، استكشاف شعري حيث تصبح كل لوحة مفتاحًا لفتح أبواب كياننا. في هذه اللوحات النابضة بالحياة والمتوهجة، لا تكتفي الأشكال بالبقاء أسيرة للمادة؛ إنها تنبض بالحياة، وتنبض، وتهتز خارج حدودها.. تبدو الأعمال وكأنها تتنفس، وترتجف، وتخلق أجواءً آسرة، أحيانًا تشبه الحلم، وأحيانًا مشبعة بحزن لطيف، كما لو كانت انعكاسات لعالم داخلي في تحول دائم. من خلال لعبة خفية من الفروق الدقيقة والنغمات..تغمرنا ألفة بن غزي في عالم حيث الحدود بين الواقع والأحلام غير واضحة، ينقلنا هذا المعرض إلى رقصة صوفية حيث يلتقي النظام والفوضى، ويواجهان بعضهما البعض، ويتشابكان في تصميم رقصات دقيق. الخطوط الصلبة، رموز العقل، تعارض سيولة الأشكال العضوية، وتجسد العاطفة النقية بكل روعتها. يبدأ التوتر الواضح، الذي يتفاقم بسبب تباين الألوان الزاهية: الأحمر المشتعل بالعاطفة، والأزرق العميق مع الحنين إلى الماضي، والأصفر المبهر بالضوء. كل فارق بسيط يتردد صداه مع لوحة الألوان الداخلية الخاصة بنا، مما يوقظ المشاعر المدفونة والعذابات والنشوات التي تشكل جوهرنا. وهكذا فإن المشاهد مدعو للغوص في هاوية كيانه، واستكشاف تعرجات روحه، ليفقد نفسه ويجد نفسه في هذه المتاهة من الأحاسيس والألوان...". معرض بلوحات وأعمال مختلفة يجمع بينها خيط ناظم هو نظر الفنانة ألفة للرسم والفن عموما تجاه الذات والانسان ويتجلى ذلك في عناوين مواد هذا المعرض والتي منها على سبيل الذكر "رقصة الارواح المزهرة" /أكريليك وكولاج على القماش. 180 / 160 سم و"الذاكرة الجماعية" /أكريليك وكولاج على قماش. 116 / 89 سم" و"الدوار اللانهائي" /أكريليك على قماش 100 / 80 سم" و"الحدائق المسحورة" /أكريليك وكولاج على قماش. 50/40 سم و"سمفونية" /أكريليك على قماش. 120 / 80 سم".
وفي هذا النشاط التشكيلي تستعير الفنانة قول جلال الدين الرومي "أعيد بناء نفسي من الداخل، أنا الغريبُ وأنا المسافرُ، وأنا العائد، وأنا المستمر مع نفسي حتى النهاية" .
انها فسحة من عوالم العلاقة الفنية لألفة الغزي تجاه ما يعتمل بداخلها واللوحة في عنوان لافت هو "وجوه الروح" وهو عنوان معرضها الخاص المنطلق مساء السبت 12 أكتوبر بفضاءات الثقافة بالمدينة العتيقة بتونس بكنيسة سانت كروا.. معرض وكتيب فني ومجال شاسع للاطلاع على شغل فني وحيز من تجربة.