اضاءات على تاريخ المسرح العماني

البدايات الأولى للمسرح في سلطنة تعود الى ظهور التعليم النظامي، وكذلك الممارسات المسرحية داخل الأندية الرياضية عام 1940.

تعود البدايات الأولى للمسرح في سلطنة عمان مع ظهور التعليم النظامي، وكذلك الممارسات المسرحية داخل الأندية الرياضية، ضمت عناصر عايشت التجارب المسرحية في بعض دول الخليج العربي. إلى أن جاء مسرح الشباب عام 1980 ليحتضن هذا الفن الجميل، تلا ذلك ظهور فرق لمسارح الشباب في مختلف محافظات ومناطق السلطنة وأيضاً فرق مسرحية أهلية، كذلك كان هنالك دور بارز للمسرح الجامعي، كل هذا ساعد على نهوض وتطوير المسرح في عمان. وفي إطار إقامة الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي في مسقط ـ سلطنة عمان في الفترة من 9 إلى 15 يناير/كانون الثاني 2025، قدمت الهيئة العربية للمسرح في دليلها للمهرجان إضاءات مهمة عن تاريخ المسرح في سلطنة بداياته ومرحل تطوره.

مدارس السعيدية

كانت بداية الحركة المسرحية العمانية مدرسية من خلال المدرسة السعيدية بفروعها الثلاثة، والتي كان أولها المدرسة السعيدية في مسقط عام 1940 ثم المدرسة السعيدية في صلالة عام 1951، ثم المدرسة السعيدية في مطرح عام 1959، والتي كانت جميعها تمارس النشاط المسرحي كنشاط مدرسي أو فصلى لطلاب هذه المدارس خاصة المدرسة السعيدية في مسقط. وكان كل الاهتمام المسرحي يرتكز على حفل نهاية العام الدراسي، حيث كان يقام مسرح في الساحة الداخلية لهذه المدارس يحضره كبار رجال الدولة وأولياء أمور الطلبة وتقدم فيه التمثيليات، والأناشيد، والعديد من الأنشطة الطلابية، التي تعطي صورة حقيقية عما وصل إليه مستوى الطلبة التعليمي، وتقدم أثناء تلك الحفلات تمثيليات ذات أحداث قصيرة أو مشاهد تمثيلية مستقاة من المنهاج الدراسي. وكانت تلك المشاهد التمثيلية عبارة عن مسرحة للدروس إضافة إلى بعض المواقف الفكاهية. إلا أن ضيق التجربة آنذاك وحصرها في إطار المنهج الدراسي جعلها تأخذ المنحى التربوي، الذي حال دون تطور تلك المشاهد التمثيلية المدرسية لتكوين تجربة مسرحية حقيقية، ولكنها ظلت بمثابة نشاط تمثيلى بسيط. ومـع بداية عام 1970م أهتمت الحكومة العمانية بإنشاء المدارس والاهتمام بالأنشطة الطلابية بشكل عام والمسرح المدرسي بشكل خاص وحث المعلمين على الاهتمام بالمواهب المسرحية في المدارس، وكان الاعتماد على اجتهادات المدرسين الوافدين والعمانيين، واهتمام المدرسين في تلك المدارس وخاصة المدرسة السعيدية بمسقط، الذين كانوا يقومون بالإشراف على النشاط المسرحي فيها، وكذلك رغبة الطلاب وإقبالهم للمشاركة في هذا النشاط، هذه التجارب المسرحية بالرغم من نوعيتها وبساطتها وطريقة عرضها إلا أنها شكلت القاعدة الأولى للمسرح في سلطنة عمان. خريجو هذه المدارس الذين مارسوا النشاط التمثيلي بشكله المبتدئ، هم الذين شكلوا فيما بعد الفرق المسرحية في أندية السلطنة، والتي ازدهرت وتطورت بعد الطفرة الاقتصادية.

مسارح الأندية

الحركة المسرحية في الأندية ظهرت بعد ظهور المسرح المدرسي في المدارس السعيدية، ثم تزامنت معها خاصة في فترة الستينات بسبب أن العناصر الطلابية التي كانت تشارك في النشاط التمثيلي في المدارس السعيدية انضمت لتشارك في مسرح الأندية، بجانب عناصر أخرى انضمت إلى نشاط النادي والذين درسوا خارج عمان وكانوا يجتمعون أثناء الإجازة الصيفية لممارسة النشاط المسرحي. وأبرز الأندية التي كان لديها نشاط بارز في المسرح هي نادى عمان، النادي الأهلي:

نادى عمان

كانت المسرحيات والمشاهد تمتاز بتناولها قضايا أكثر توسعا عن المسرح المدرسي، وبعيدة عن المنهاج الدراسي، وكان وقت عرضها يصل الى ساعة أو ساعة ونصف أحيانا يتخللها بعض الفواصل خاصة من الفنون الشعبية بسبب احتواء كل مسرحية على أكثر من مشهد، وأحيانا يتم تقديم مسرحيتين قصيرتين في نفس الوقت، حيث أن الحفل كان يستمر حتى الساعة الحادية عشر ليلا، وأحيانا يتم مشاركة الممثلين في أكثر من مسرحية.

النادي الأهلي

إن تجربة المسرح في النادي الأهلي كانت أكثر وضوحا قبل 1970 من تجربة نادي عمان، بسبب وجود بعض الكتيبات والمقالات والإرشادات البسيطة عن المسرح فى النادي الأهلي. ولعل أول إشارة إلى بداية النشاط المسرحي بالنادي كانت عام 1960، بعرض النادي الأهلي لمسرحية (صقر قريش) على مسرح المدرسة السعيدية بمطرح. تلك المسرحية من التاريخ العربي الإسلامي وتحكى قصة القائد العربي عبدالرحمن الناصر، حيث قام بإخراج المسرحية الأستاذ أحمد دراز مدرس اللغة العربية بالمدرسة السعيدية بمطرح وتم استخدام الملابس التاريخية المعبرة عن شخصيات تلك المسرحية.

إن استمرار تجارب مسارح الأندية وخاصة تجربة نادي عمان والنادي الأهلي ونادي النهضة والتي بدأت قبل 1970 والتي شكلت مع المسرح المدرسي الجذور الأولى للمسرح في عمان، ولاشك أن تجربة مسارح الأندية بعد 1970 تطورت وأخذت اتجاهات جديدة في الشكل والمضمون خاصة من خلال هذه الأندية والأندية الأخرى التي ظهرت بعد ذلك، والتي أخذت بنشر الوعي والثقافة المسرحية. لقد اتسمت مسارح الأندية لوجود عناصر العرض المسرحي من الفعل الدرامي والصراع والحوار، ووجود الممثل والمتفرج إلى فنون الغناء، والفنون البصرية والإيقاعية الأخرى، وتقديم العروض على خشبة المسرح (العلبة الإيطالية)، وكذلك بروز ملامح لبدايات ظهور شخصية المخرج المسرحي، الأمر الذي أدى إلى بدايات نضوج المسرح العماني.

مسرح الشباب

بدأت فرقة مسرح الشباب في مرحلة التكوين الأولى عام 1980 على يد مجموعة من الممثلين الشباب الذين كانت لديهم هواية التمثيل وكانوا يمارسونه من خلال الأندية، حيث كانوا يقومون بتمثيل بعض الاسكتشات البسيطة، ولكن هذه المحاولات لم تكن كافية لتشكيل ملامح مسرح عماني جاد. وقد بدأت الخطوات الحقيقية لإنشاء فرقة مسرح الشباب، عندما تالقت رغبة هؤلاء الشباب مع رغبة وزارة الإعلام والشباب آنذاك في تنمية النشاط المسرحي ، حيث قامت الوزارة بتبني هؤلاء الشباب ، وتكوين أول فرقة مسرحية عمانية للشباب، كما قامت باستقدام مخرج عربي من مصر وهو مصطفى حشيش ، فالتف حوله هؤلاء الفنانون "وتعاضدوا معا لتشكيل أول فرقة مسرحية عمانية من الهواة في العاصمة مسقط وهي فرقة ذات صبغة رسمية بحكم تبعيتها لوزارة رسمية، وقد استقدمت الوزارة فيما بعد أيضا كاتبا مسرحيا وهو منصور مكاوي.

كان تأسيس الفرقة نقطة تحول في مسيرة الحركة المسرحية في عمان وخطوة مناسبة لانبعاث حركة المسرح العماني وتفجير طاقات الممثلين الفنية والمبدعة. لقد افرز مسرح الشباب من خلال تطوره ظهور كتاب نصوص ومخرجين عمانيين وظهور عدد من الممثلين الذين تبنوا التمثيل كمهنة وليس كهواية، وذلك من خلال الدراسة الجامعية، مما أدى إلى اتساع دائرة الممثلين لتشمل أسماء ممثلين وممثالت جدد على الساحة المسرحية، أيضا محاولة التنويع في الأعمال المسرحية، برزت في هذه الفترة أيضا ظاهرة الجمع بين التأليف والإخراج كما أن المشاركات الخارجية في مهرجانات دول الخليج والمهرجانات العربية لعبت دورا مهما.

فرقة الصحوة المسرحية الأهلية

تأسست الفرقة عام 1987 كأول فرقة مسرحية أهلية في السلطنة، وجاء تأسيسها للمشاركة في النشاط المسرحي وتوسيع قاعدة المشاركة خاصة وأنه لم يكن في تلك الفترة أي نشاط مسرحي بارز غير مسرح الشباب، بالإضافة لإعطاء الشباب فرصة أكبر للمشاركة، وكان نادي السيب هو المقر لهذه الفرقة التي تشكلت بمجموعة من الأعضاء كانوا من الهواة فاعتمدت أعمالهم على اجتهاداتهم الخاصة من خلال القراءة والاطلاع وبعض الدورات المسرحية التي شاركوا بها داخل السلطنة، والتي كان ينظمها مسرح الشباب بمسقط، لذلك ظهرت تلك الأعمال ببساطتها في النص والإخراج والأداء التمثيلي. قدمت الفرقة أول أعمالها المسرحيـة عام 1987 بعنوان (الصحوة الكبرى) التي قام بتأليفها وإخراجها رئيس الفرقة خليفة البلوشي والتي تعرضت للإنجازات التي حققتها ونظمت الفرقة أول دوراتها التأهيلية في المسرح عام 1996، وفي نهاية الدورة قدمت الفرقة مسرحيتين اجتماعيتين هما (نحن على الهواء) من تأليف خليفة البلوشي وإخراج خالد الوهيبي ومسرحية (الصياد) من تأليف خليفة البلوشي وإخراج صالح الحراصى.

الجمعية العمانية للمسرح

في الخامس والعشرين من سبتمبر من عام 2009، تم إشهار الجمعية العمانية للمسرح، لتكون منارة تجمع تحت مظلتها عشاق الفن المسرحي والمبدعين العاملين في هذا القطاع. جاءت الجمعية كجسر للتعارف والتواصل بين المسرحيين، وسعت لرعاية حقوقهم الأدبية والمادية، والعمل على تطوير الحركة المسرحية بما ينسجم مع أهدافها السامية. كما حملت على عاتقها التعريف بالمسرحيين العمانيين ونشر إبداعاتهم في المحافل الخليجية والعربية والدولية، من خلال تمثيلهم في المؤتمرات والمهرجانات المسرحية، وتنظيم دورات تدريبية وورش عمل تسهم في رفع كفاءاتهم في مختلف مجالات المسرح. وفي عام 2018، تم دمج الجمعية العمانية للمسرح مع الجمعية العمانية للسينما، لكن شُهرت مجددا كجمعية مستقلة في عام 2023، لتعود بقوة وتحقق خلال عامين فقط نقلة نوعية الفتة في المشهد المسرحي العماني. ارتفع عدد أعضائها إلى ما يقارب 500 مسرحي، وكانت شريكا استراتيجيا في تنظيم مهرجان المسرح العماني ومهرجان ظفار الدولي للمسرح، كما سعت لاستضافة مهرجان المسرح العربي. لم تكتف الجمعية بذلك، بل شاركت بفخر في ابتعاث قرابة 200 عضو للمشاركة في المهرجانات المسرحية داخل السلطنة وخارجها، ودعمت الفرق المسرحية التي مثلت سلطنة عمان في المحافل الدولية. كما نظمت دورات تدريبية شاملة للشباب المسرحيين في مختلف محافظات سلطنة عمان، واتاحت الفرصة للموهوبين للمشاركة في ورش عمل ودورات تدريبية خارج البلاد. وتعد الجمعية اليوم شريكا فاعلا لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، حيث تسهم بجهود ملموسة في دعم وتطوير المسرح العماني، وتحقيق رؤية ثقافية متجددة تليق بتاريخ المسرح العماني وإبداعاته.