الألعاب الشعبية هوية وتراث وطن

ألعاب فطرية تلقائية وليدة مجتمعها تنتشر بسهولة ويسر وتمارس في أي وقت وأي مكان كما انها لا تعتمد على وسائل متطورة بل انها تنبع من قلب البيئة المحيطة بها وتعكس في مجملها ثقافة المجتمع.

نركض.. نلهو.. نمرح.. نلعب.. تلك ذكريات الطفولة المرتبطة بوجداننا يشدنا لها ذلك الحنين الممزوج بأحلامنا في الصغر وابداعاتنا التلقائية في ممارسة ألعاب الصغار .
ومما لا شك فيه ان الالعاب هى اهم الممارسات الاساسية في حياة الطفل وهي احتياج نفسي اصيل يحتاج اليه الاطفال منذ أعوامهم الاولى ويحاربون من اجل اشباع هذا الاحتياج بهدف اخراج طاقاتهم في شكل ايجابي وحيوي، وهي تنمي مدارك الطفل وتساعده على اكتساب العديد من المهارات مثل مهارة اللغة ومهارة التعبير عن افكاره وهي المحفز الاساسي لإبداعاته. 
وقد مارس المصريون القدماء الألعاب بهدف الترفية والتسلية ووضعوا لها قواعد منظمة تناسب ظروفهم المعيشية ويظهر ذلك مصوراً في الرسوم والنقوش الجدارية بمقابر بني حسن الموجودة بمحافظة المنيا.
 وكانت ممارسة الألعاب هي احد طقوس تتويج الملوك وكانت معظمها ألعاب جماعية تناقلها العامة فيما بعد حتى اصبحت ألعاب شعبية مصرية. 
ويقودنا هذا الحديث لنتعرف على مفهوم الألعاب الشعبية او بمعنى اخر ألعاب العامة وهي ألعاب فطرية تلقائية وليدة مجتمعها تنتشر بسهولة ويسر وتمارس في اي وقت و اي مكان حيث انها لا تعتمد على اي وسائل لعبية ترفيهية متطورة بل انها من قلب البيئة المحيطة بها تعكس في مجملها ثقافة مجتمعها ومفاهيمه ينتجها العامة من الشعب وفقا لمتطلباتهم وظروفهم المعيشية لتدل في النهاية على شخصية مجتمعها الاعتبارية وفنونه الابتكارية. 
وتعد الألعاب الشعبية متنفس جماعي فطري تظلله روح الابداع كونها تتمتع بالاصالة والمرونة وهى إرث العامة من الشعب وتعد ناقلة تاريخية عبر الاجيال تحمل هوية مجتمعها وتقاليده وقيمه الدينية وهي السجل الذي يحمل بين طياته بعضا من الموروث الشعبي للوطن، فهي ليست مجرد تلك الضحكات والركضات التى يؤديها الأطفال بل هي رموز ودلالات تخلق لنا لغة تمكننا من قراءة الموروث الثقافي البشري وقد تأثرت الألعاب الشعبية بعدة مؤثرات جعلتها تختلف من مجتمع لاخر مثل : - البيئة التي تمارس فيها الألعاب، الظروف الاقتصادية للفرد والوطن، الظروف السياسية للوطن، العادات والتقاليد والموروثات العقائد الدينية داخل المجتمع، المستوى التعليمي والثقافي للبيئة التي تمارس فيها الألعاب 
وتتنوع الألعاب الشعبية تنوعا ابداعيا خلاقا يجعلها مليئة بالجاذبية والاثارة فهي تخلق حالة من التوازن بين القديم بأصالته والحديث بتطوره وهي اداة تعبيرية فنية لها رموزها ومفرداتها تهدف الى تنمية الروابط الاجتماعية وروح الجماعة لدى الطفل كما انها تؤثر على افكاره وشخصيته وتنمي حواسه وتوسع مداركه وتساعده على اكتشاف نفسه والتعبير عن ذاته. 
ان للألعاب الشعبية ملامح واضحة تميزت بها تمثل تطور الانسانية عبر العصور كما انها تلعب دورا كبيرا في تشكيل الجوانب المعرفيه والمفاهيمية لدى اطفال المجتمع الواحد، وتتمثل تلك الملامح في كونها ألعاب فطرية غيرمعقدة مما يكسبها صفة الانتشار كما انها تتأثر بعادات وتقاليد مجتمعها وهي غالبا ما ترتبط بعنصري التمثيل والغناء كتعبير حركي وصوتي يسعد الصغار.
لذا فنحن غالبا ما نرى ان الألعاب لدى الاطفال تقترن بالاغاني وبالتصفيق احيانا مما يدل على ان الاغاني والاناشيد تساهم بشكل غير مباشر في ربط الطفل بأقرانه ودمجه داخل الجماعة مما يكسبه مهارات التواصل الاجتماعي.
 وهناك اغنيات محددة لألعاب بعينها تمارس من خلال تلك الاغاني او قد تكون اغنيات مرحة تصاحب اي لعبة عموما، ونجد ان تلك الفنون الفطرية تنمي لدى الطفل المواهب الصوتية والموسيقية وتجعل منه شخصية متوازنة مرحة قادرة على تكوين علاقات صداقة مع افراد مجتمعه.
ولعل علاقات الصداقة التي تنشأ بين الأطفال والدمى تظهر مدى احتياج الطفل لهذا النوع من العلاقات الاجتماعية وهي من اقوى صور التواصل الاجتماعي. 
وتشكل الدمى احد الفنون التي ارتبطت بوجدان الشعوب فهي بنت بيئتها تحمل لون بشرتها وخاماتها وازياءها وترتدي في بعض الاحيان حليها وهي اقدم الألعاب الشعبية المعروفة لدى الاطفال ابتكرتها جدات الجدات وحاكتها من بواقي الاقمشة وملئتها بالاقمشة البالية وبعض الجوارب ثم اصبحت تصنع من الطين او لوف النخيل واحيانا من بقايا عجائن المنزل. 
 

علاقات صداقة تنشأ بين الأطفال والدمى
علاقات صداقة تنشأ بين الأطفال والدمى

ونظرا للمكانة المميزة التي حظت بها ألعاب الدمى في قلوب الصغار فقد قام فنانون وحرفيون بتصنيعها وابدعوا في صناعتها وحولوها الى قطع فنية تحمل عناصر العمل الفني الشعبي وترتبط بمجموعة من الفنون الاخرى فهي تجمع فن النحت والتشكيل والتصوير والنسيج والحلي في قطعة واحدة لتعبر عن حضارة المجتمع وفنونه التشكيلية. 
وعلى الرغم من كون الدمى هي اللعبة المفضلة لدى الطفل حيث انها تنمي مفرداته اللغوية وقدرته على التحاور وتفرغ طاقاته وتزيد قدرته على التواصل الا انها تعد بالنسبة للفنان الشعبي احد الوسائل التي تعمل على تفريغ طاقاته وابداعاته والتعبير عن انفعالاته ومشاعره من خلال منتج يصنعه بيده وتعد صناعة الدمى فن له رواده ومحبوه الذين يسعدهم العمل به او اقتناؤه .
وتستلهم صناعة الدمى السير الشعبية في تصميم اشكال الدمى الشعبية فنجد الفارس الذي يمتطى حصان شاهرا سيفه وهى مستلهمة من سيرة ابو زيد الهلالى وعنتره ابن شداد ونجد ايضا العروسة التي تبدو في ابهى صورها بملابسها الشعبية وحليها و هي مستلهمة من قصة ست الحسن والجمال والشاطر حسن.
 وهناك الدمى على شكل حيوانات المناطق الريفية او الطيور التي نربيها بالمنزل وهي محببة ايضا لدى الاطفال، ومن جيل الى جيل ظلت الدمى هي اشهر الألعاب الشعبية لدى الاطفال حيث انها تحمل مساحة لا نهائية من التواصل الحسي والقولي مع الطفل كما انها تحمل سمات البيئة المحيطة به مما يجعلها معتادة لديه وقريبة من حسه وفكره . 
و تأثرت الالعاب الشعبية ايضا بالعقائد الدينية ويعد شهر رمضان احد ابرز المناسبات الدينية التي يتجمع فيها الاطفال لتزيين الشوارع واللعب بالفوانيس مع ترديد الاغاني المميزة لهذا الشهر الفضيل، كما ان للعيد بهجة حقيقية لدى  الاطفال خاصة في الريف والمناطق الشعبية حيث اعتاد الصغار على قضاء يوم العيد في اللعب واللهو والذهاب الى الحدائق والمتنزهات العامة وممارسة الألعاب الموجودة بتلك المتنزهات مثل لعبة المراجيح ولعبة الساقية الدوارة و غيرهم . 
لذا يمكننا القول ان الألعاب الشعبية هي جزء اصيل من الموروث الشعبي وجانبا لا يمكن اغفاله من جوانب الثقافة الانسانية تحمل في طياتها ابعادا اجتماعية ونفسيه وهي فرعا هاما من فروع الفنون الشعبية التي اسهم فيها الانسان بإبداعه الفطري وحسه التلقائي.
وهي وسيلة من وسائل الاثارة والغبطة لدى الصغار والكبار واحد مظاهر الحياة الشعبية الغزيرة المتنوعة التي تنبض بالحيوية وتتميز بالجرأة واليقظة وهي تساعد اي دارس معاصر في معرفة هوية وتراث هذا الوطن وهذه الروح المصرية الصميمة التي تتسم بالمرح والطرافة احيانا وبالشدة والتعقيد احيانا اخرى وسيظل التراث الشعبي ومظاهر الحياة الشعبية وما فيها من عادات وتقاليد كنزا مليء بالاسرار ومصدر الهام لكثير من الفنانين والمبدعين عبر العصور والأزمان.