الافغانيات ومعركة الوجود

كان التدخل الاميركي في افغانستان فاشلا وكان الانسحاب اكثر فشلا.
التعويل على المجتمع الدولي لدعم المطالب الحقوقية للنساء الأفغانيات ليس بالأمر المحسوم
لا شك ان تجربة طالبان مع الأفغان مثقلة بالمآسي والمعاناة والكوابيس

سيكون من السابق لاوانه اعتبار ان التحركات الاحتجاجية الخجولة لعدد من النساء الافغانيات في العاصمة الافغانية كابول وتزامنها مع بعض الوقفات الغاضبة قادها شبان افغان في عدد من المدن الافغانية بعد العودة الصادمة لحركة طالبان الى المشهد يمكن ان تشكل منعرجا جديدا في المشهد الافغاني الجديد على وقع التطورات المتسارعة في هذا البلد الذي طالما وصف بمقبرة الغزاة ومقبرة الامبراطوريات والذي يتطلع جيل جديد من الافغان الذين عرفوا بعض الانفتاح خلال العقدين الماضيين ان يكون ايضا مقبرة الارهاب والتطرف. نقول من السابق لاوانه لان المشهد في افغانستان لا يزال محاطا بالكثير من الغموض برغم كل محاولات الانضباط التي ابداها مقاتلو طالبان خلال الايام القليلة الماضية بعد سيطرتهم السريعة على مختلف الولايات الافغانية ودخولهم الى العاصمة كابول. لا شيء يمكن ان يمنع خروج مقالتي طالبان عن دائرة الانضباط والانسياق وراء الممارسات العنيفة التي تعودوا عليها في مواجهة المخالفين والمتمردين والرافضية لاحكامهم. وحتى الامس فقد قتل ثلاثة افغان خلال محاولتهم الوصول الى مطار كابول هربا من قبضة طالبان. اما كيف ستتعاطى الحركة مع تطورات الاحداث وأي احتجاجات مرتقبة فهي مسألة يصعب التكهن بها بالنظر الى العقلية المتصلبة المعروفة عن عناصر حركة طالبان في التصدي بقوة السلاح لكل من خالفهم الرأي والتوجه وذلك برغم حسابات ورهانات الحركة التي بدت حريصة على كسب ورقة الاعتراف الاقليمي والدولي بالامر الواقع ووجودها في السلطة أمام غياب أي مؤشرات للمقاومة او الصمود من الجيش الافغاني لتقدمها الميداني.

في انتظار ما يمكن ان تحمله الساعات القادمة على وقع دخول طالبان في مفاوضات غير مسبوقة على اكثر من جبهة مع مسؤولين وسياسيين في النظام السابق وبينهم الرئيس الاسبق حميد قرضاي الذي لم يغادر افغانستان على عكس الرئيس اشرف غني واخرى مع زعماء القبائل، فان في بعض التحركات الشعبية على محدوديتها في هذه المرحلة يمكن ان تنبئ بتحولات مجتمعية في افغانستان بما يمكن ان يكون ايضا مؤشرا على وجود ارضية قابلة للاستثمار تجمع مكونات المجتمع المدني ومنظمات نسائية رافضة لاحكام طالبان وقيودها المتشددة. ولاشك ان في ذلك العدد المحدود من النساء الافغانيات والطالبات اللائي خرجن في العاصمة كابول بوجوه عارية وهن يرفعن شعارات احتجاجية معادية لطالبان ومطالبة باحترام حقهن في الحياة والحرية فيه الكثير من الجرأة والتحدي والشجاعة بما ينم عن نفس جديد في افغانستان وان المجتمع الذي طردت منه طالبان قبل عشرين عاما ليس هو ذات المجتمع الذي تعود اليه الحركة بعقلية القرون الوسطى لتفرض عليه احكامها وهو ما قد لا تكون هينة امام طالبان التي ستسعى الى الفوز بدعم ورضا القوى الاقليمية والدولية. والاكيد ان افغانستان التي حكمتها طالبان بين 1996 الى 2001 عندما احتضنت القاعدة، ليست افغانستان 2021 التي كسر شبابها وابناؤها طوق العزلة من حولهم واقتحموا عديد الميادين الاقتصادية والفنية والسياسية واختاروا طريق الجامعة والعمل والحياة بعيدا عن السياط والعصا التي كانت ترفع لجلد وو معاقبة كل مخالف.

الاكيد انه لا شيء مضمون وان التعويل على المجتمع الدولي لدعم المطالب الحقوقية للنساء الافغانيات وللجيل الراهن ليس بالامر المحسوم خاصة بعد أن خذل المجتمع الدولي ومعه كل القوى السياسية والعسكرية المتواجدة في هذا البلد الشعب الافغاني وسمحوا بعودة طالبان المهينة لتفرض شروطها وتوجهاتها على الجميع. والاكيد أن تحقيق أي مكسب في ظل وجود طالبان سيستوجب من الافغانيات ومن مختلف مكونات الشعب الافغاني الكثير من الصبر والتضحيات لكسب الرهان وتحقيق التغيير المنشود والانتصار للقيم الانسانية الدولية المشتركة بعيدا عن العقلية الطالبانية السوداوية وتأويلاها المزيفة للاسلام التي تريد لها ان تكون تأويلات على المقاس تجعل من الدين نقمة بدل ان يكون رحمة وتمنح الحركة وصية مطلقة على الجميع فيأتمرون بأوامرها ويلتزمون بتوجهاتها مهما كانت فاشلة وهدامة ومدمرة ومنفرة.

لا شك ان تجربة طالبان مع الافغان مثقلة بالمآسي والمعاناة والكوابيس. ولعل في صور تدافع ألاف الافغان ومحاولاتهم اقتحام المطار والسعي بكل الطرق الممكنة للالتحاق بالطائرات الاجنبية المغادرة -حتى ان بعض هؤلاء تحولوا الى اشلاء- يعكس حجم المخاوف وعدم الامان من نوايا وتوجهات طالبان التي تعيش خارج العصر تماما كما ان شهادات عديد النساء والصحفيات الافغانيات خلال الساعات القليلة التي تلت عودة طالبان من المغاور ما يبرر تلك المخاوف في نفوس الاهالي. فعندما عندما حكمت طالبان البلد بداية الالفية الماضية فرضت تطبيقا متصلبا للشريعة، ومنعت النساء من العمل أو الدراسة بل ومنعت مغادرة النساء المنزل بدون برقع او بدون مرافق. ونُفِّذت احكام الجلد والإعدام والرجم بمحاكمات صورية بتهمة الزنا، في الساحات العامة والملاعب الرياضية.

لاشك ان ازالة الصور على واجهات محلات البيع ومحلات التجميل مقدمة لهذه النوايا ورغبة طالبان لإزالة كل اثر للمرأة من الحياة العامة وان ما تروج له بانه سيكون من حق الافغانيات في العمل والمشاركة في الحياة السياسية ليس سوى جسر للعبور الى السلطة قبل فرض طوق محكم حول كل من يحاول التنفس.

لقد كان التدخل الاميركي في افغانستان فاشلا وكان الانسحاب اكثر فشلا. ولذلك سيتعين على الافغان نساء ورجالا الى مواصلة ما بدأوه بالامس وعدم التوقف عن الاحتجاجات واعلان التمرد على قيود طالبان ومشتقاتها واستعادة ما سلب منهم لإعادة الحياة والامل الى اجيال لم تعرف غير الفقر والجهل والبؤس والظلم والحروب والدم والاحتلال. الاختبار معقد والمعركة طويلة والثمن باهظ ولكن لا بديل عن ذلك مهما تأخرت النتائج. فافغانستان يجب ان تكون لاهلها بعيدا عن ظلم وفساد واستبداد طالبان وكل من دعمها ودفع الى ظهورها وانتشارها داخل وخارج هذا البلد.