مكان فوق الشمس!

الصين تحاكي توليد الشمس للطاقة وتطلق أول مفاعل اندماجي.

في الصين "شمس اصطناعية".. والامر هنا لا يتعلق بلوحة اشهارية ولا بعنوان ادبي أو ثقافي جديد ولا يتعلق أيضا بسلسلة صور متحركة للاطفال ولا بشريط سينمائي صيني. فكلنا يعرف ان الصناعة السينمائية في الصين لم تصل بعد مرحلة منافسة نظيراتها في العالم من اميركا الى الهند او غيرهما، ولكن الحديث يجري عن شمس اصطناعية في الصين، وهي مشروع تكنولوجي ثوري بتمويل قدر بحوالي 840 مليون يورو بما يعكس ما بلغه التنافس العلمي بين القوى الصناعية الكبرى من قدرة على الابداع والابتكار والخلق بما يمكن أن يغير حياة البشر ونسق التنمية في المجتمعات، وهي شمس صناعية لاضاءة الليل تحمل توقيع العلماء والباحثين الصينيين الذين عملوا نحو عقد ونصف على هذا المشروع التكنولوجي الدقيق وقد اعلنت الصين مؤخرا الانتهاء من انتاج مكون اساسي لاكبر شمس اصطناعية في العالم وهو اكبر مشروع لمفاعل الاندماج النووي.

المشروع يعتبر واحدا من اكبر وأهم المشاريع البحثية العلمية الدولية في العالم إذ أنه يولد الطاقة النظيفة والخالية من الكربون بطريقة مشابهة للشمس من خلال إطلاق الضوء والحرارة عبر تفاعلات الاندماج. ويشترك في تمويله الى جانب الصين كل من الاتحاد الأوروبي وأميركا واليابان وكوريا الجنوبية والهند وروسيا. وهي طريقة ذكية لمشاركة الصين بعض تكاليف هذا المشروع والابقاء على عين مفتوحة على ما يمكن أن يذهب اليه طموح الصين الجارف لكسب مفاتيح التكنولوجيا الحديثة والسيطرة عليها وبالتالي فرض هيمنتها الى العالم. و لاشك أن في ما ذهب اليه البنتاغون قبل ايام من أن التحدي والخطر الاكبر ليس روسيا بل هو الصين ما يعزز القناعة بأننا ازاء سباق تكنولوجي محموم بين اميركا والصين ولا احد بإمكانه أن يعرف الى أي حد يمكن لهذا التنافس ان يذهب والى أي مدى يمكن للعقل البشري ان ينجح في اختراق ما ظل حتى اليوم عصيا على العقل البشري من محيطات وأجرام السماء.

فليس سرا أن التنافس قائم بين القوى الصناعية الكبرى منذ بدء السباق نحو الفضاء الذي وقف العقل العربي جامدا أمامه بل ان الاجيال التي عايشت نزول اول ادمي على سطح القمر اعتبرت أن الامر لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد ضحك على العقول وكفر لا يمكن القبول به. الواقع أيضا أن العقل العربي المحكوم بقيوده المتعددة في العالم العربي والاسلامي ظل نافرا من خوض معركة التكنولوجيا والبحث العلمي وبقيت اغلب المجتمعات العربية ومعها دول العالم الثالث تقبل على استهلاك ما يصلها وحتى ما لا يصلها من ثمار التكنولوجيا المتطورة ولكنها بقيت عاجزة في كسب هذا السباق. والخبراء او الباحثون الذين استطاعوا تحقيق اختراق في المجال التكنولوجي هم الذين لجأوا الى الهجرة وانضموا الى الشركات العالمية التي عززوها بقدراتهم وكفاءاتهم التي لم تجد لها موقع في مراكز البحث العربية المهجورة أو الجامعات العربية التي تفتقر مخابرها لابسط الامكانيات المطلوبة للبحث العلمي الذي يحظى في مختلف الدول العربية مجتمعة بواحد بالمائة مما يخصصه الكيان الاسرائيلي للبحث العلمي.

الاكيد أن ما تحقق للصين وما تحقق لدول صناعية كثيرة ما كان ليتحقق بدون كل الاستثمارات في المدرسة وفي تكوين الاطار التربوي وفي دعم البحث العلمي وتطوير الجامعات وتعزيز مكانة الجامعات الصينية في التصنيف الدولي لافضل الجامعات.

ما أمكن رصده من المعلومات التي نشرت حول مشروع الشمس الاصطناعية يشير الى أنه عمليا يمكن لهذا المفاعل أن يؤمن احتياجات الصين الحالية من الطاقة مع تطوير طاقة مستدامة، من خلال محاكاة تفاعل الاندماج النووي الذي يمد الشمس الحقيقية بالطاقة.

ما يحدث يؤكد أن طموحات الصين بلد المليار ونصف ساكن لا حد لها.. و لا يوازيها شيء في كوريا الجنوبية او اليابان او روسيا ولكن ربما توازيها أميركا التي لا تخفي طموحاتها في هذا المجال. وسبق للرئيس الاميركي جو بايدن أن صرح للصحفيين انه "اذا لم نتحرك فسيأكلون غذاءنا".

المؤتمر الاخير للحزب الشيوعي الصيني عزز هذا التوجه مع اعادة انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لولاية ثالثة على التوالي. وقد كشف الرئيس الصيني خلال مؤتمر حزبه هذا التوجه نحو مزيد تعزيز قدرات الصين في مجال الثورة التكنولوجية. و بحسب لغة الارقام فانه في الفترة من 2014 إلى 2019، جمعت الحكومة الصينية ما لا يقل عن 6.7 تريليون يوان (1 تريليون دولار) عبر مجموعة من جولات التمويل من صناديق رأس المال المغامر للاستحواذ على حصص في شركات التكنولوجيا الفائقة، وفقاً لتقديرات نوتون من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو. وأعلنت الصين بالفعل عن خططٍ لاستثمار 1.4 تريليون دولار من 2020 إلى 2025 في البنية التحتية عالية التكنولوجيا بدءاً من الذكاء الاصطناعي، ومحطات شبكة الجيل الخامس إلى السكك الحديدية عالية السرعة.

السؤال لماذا تسعى الصين الى تصنيع شمس صناعية والحال أن ما بقي من عمر الشمس هو خمسة مليارات سنة اخرى؟

والجواب بالتأكيد غير متوفر ولن ندخل في جدل عقيم لا نملك أسسه العلمية ونترك للخبراء تحليل ومناقشة هذه المسألة ولكن في المقابل نقول أنه في الوقت الذي اتجهت فيه انظار العالم الى الدوحة عاصمة كأس العالم حيث يعيش عشاق كرة القدم اجواء هذه الكأس المثيرة منذ افتتاحها في اجواءها وفي مفاجأتها وارتداداتها وهي الكاس التي تنظم ولاول مرة في بلد عربي اسلامي خليجي استثمر قدر اكثر مما تم اعتماده حتى الان لتنظيم الدورات السابقة لجعل هذه الكأس استثنائية حتى في توقيتها. كان هناك في الجانب الاخر للكرة الارضية تنافس حاصل استعدادا لجولة جديدة في الفضاء وجولات اخرى مكوكية في سباق تكنولوجيا الفضاء. نحن في تونس فقد فوجئنا في غمرة الانسياق وراء منافسات كأس العالم بالحكومة تكافئنا وتعلمنا بترفيع جديد في اسعار الوقود.