التعصب بين الحب والكراهية

التاريخ مملوء بالمذابح الكبرى الناتجة عن التعصب المملوء بالكراهية والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى ومعظمها ناتج عن التعصب الديني.
معظم جرائم التعصب والكراهية عبر التاريخ كانت لها جذور وخلفيات دينية وأحيانا مطامع سياسية تختبئ خلف شعارات دينية
أتباع الديانات السماوية الثلاث الكبرى يتفاخرون على بعضهم البعض

قال لي صديق عزيز ونحن نأكل البرتقال أبو صرة: "البرتقال أبو صرة المصري أفضل وأطعم برتقال في العالم"، طبعا شعرت بالسرور والفخر لكوني مصريا أفخر ببرتقال بلادي "(لأبو صرة) ولكني سالته: "هل أكلت البرتقال المغربي أو الإسباني"؟ فقال: "لا لم أجربه"، فسألته: هل جربت أي برتقال اخر غير البرتقال المصري؟ فقال: "لا"، فسألته: "إذن كيف حكمت أنه أفضل برتقال في العالم بدون أن تجرب غيره؟" فقال: "ده إحساس يا أستاذ" ! فسكت عن طرح مزيد من الأسئلة لكوني مصريا افتخر ببرتقال بلدي وأهل بلدي. 
وما دمنا نتحدث عن مصر، لا بد أن نتحدث عن مقولة: "مصر الدنيا"، وهي مقولة أعتز بها جدا بل وأؤمن بها، وان كان هذا لا يمنع من مناقشتها بصدر رحب، مع وعدي أني سوف احتفظ بلافتة "مصر ام الدنيا" وأعلقها في الصالون، فإذا كانت مصر هي فعلا أم الدنيا، فهذا يثبت أن مصر مؤنث، وأيضا يجعلنا نسال أنفسنا من هو "أبو الدنيا"، ومن هي "أخت الدنيا"، وإذا صدقنا أغنية المطربة المصرية عفاف راضي "مصر هي أمي"، وإذا صدقنا أن مصر هي أم الدنيا في نفس الوقت، إذن بمعادلة رياضية بسيطة نستطيع إثبات أن "الدنيا هي أمي"، والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت مصر هي أم الدنيا، وكانت سوريا مثلا هي أخت مصر (منذ أيام الوحدة بين مصر وسوريا)، هل يعني هذا أن "سوريا خالة الدنيا"؟!!
وأنا شخصيا عندي نوع من التعصب الشخصي ليس فقط لبلدي مصر والتي هي أمي حسب نظرية عفاف راضي، فأنا متعصب لأمي مصر ومتعصب أيضا لأمي التي ولدتني، وكنت ومازلت أعتبر أن "أمي هي أعظم أم في الدنيا" بل وأحيانا أعتبرها أعظم أم في التاريخ (الله يرحمها) وأنا مؤمن تماما بهذا، رغم أن الطريقة العلمية الوحيدة لإثبات أن أمي هي أعظم أم في الدنيا هي أن أقوم بعمل مقابلة شخصية مع كل أم عبر التاريخ وبعدها أقوم بوضع درجات تقييم لكل أم وأقارن تلك الدرجات مع درجات التقييم التي سبق أن وضعتها لأمي، والحل الأفضل بالطبع هو تعيين مكتب استشاري متخصص محايد لعمل تقييم لأمي وتقييم لكل الأمهات عبر التاريخ وبعدها سوف أثبت للعالم بأن أمي هي أفضل أم في التاريخ.

اليهود يقولون بأنهم "شعب الله المختار"، والمسلمون يؤمنون بأنهم "خير أمة أخرجت للناس"، والمسيحيون يؤمنون بأن "الله والإنسان والروح القدس تجسدت جميعا في جسد الرسول عيسى عليه السلام"

والحقيقة أن التعصب للبرتقال أبو صرة المصري أو التعصب لمصر أم الدنيا أو التعصب لأمي، كل هذا التعصب ناتج عن الحب الشديد للبرتقال أبو صرة والحب الشديد لمصر وحبي الشديد لأمي، وهذا النوع من التعصب في أسوأ الأحوال غير مؤذي ولا يضر صاحبه ولا يضر الآخرين، فمن الواضح أن تعصبي للبرتقال أبو صرة لا يضر أي برتقال آخر حول العالم سواء كان بصرة أو لم يكن له صرة، ولن أطالب بتدمير كل البرتقال في العالم باستثناء البرتقال أبو صرة المصري، وحبي لأمي لا يستوجب مقاطعة أو محاولة إقصاء كل أمهات العالم، وإقتناعي بأن مصر أم الدنيا لا يمنع أي شخص ألماني مثلا بأن يفتخر بأن "ألمانيا أم الدنيا" لأن الدنيا كبيرة وتحتمل أكثر من أم!
ولكن هناك نوع آخر من التعصب الناتج عن الكراهية وليس عن الحب، والتاريخ مملوء بالمذابح الكبرى الناتجة عن التعصب المملوء بالكراهية والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى ومعظمها ناتج عن التعصب الديني، والكتب الدينية المقدسة تحدثنا عن التعصب ضد يهود موسى الأمر الذي أدى الى طرد موسى والعبرانيين من مصر والسبب كان هو تعصب فرعون مصر وكهنته للديانة المصرية القديمة وشعروا بأن ديانة موسى الجديدة فيها تهديد كبير لديانتهم ومراكزهم، لذلك كان طرد العبرانيين من مصر هو أمر حتمي، ولو كان لدى فرعون مصر سعة صدر لاستيعاب وفهم ديانة موسى لربما استمر العبرانيون في استيطان مصر حتى اليوم، ولما كنّا عانينا من مشكلة فلسطين التي نعاني منها منذ قرن من الزمان! 
وكان من نتيجة تعصب بعض المسيحيين في القرون الوسطى هو تمويلهم للحملات الصليبية والتي قامت بغزو بلاد المشرق وخاصة مدينة القدس (أورشليم) وقد استمرت تلك الحملات ما يقرب من مائتي سنة منذ عام ١٠٩٦ وحتى عام ١٢٩١ وكان يقودها فرسان من أوروبا يرتدون علامة الصليب على قمصانهم وذلك لتعصبهم الشديد للديانة المسيحية وخشيتهم على وقوع القدس في أيدي ديانة أخرى، ولو آمن هولاء الفرسان المسيحيون، وأيضا لو آمن أيضا فرسان المسلمين بأنه يمكن للديانتين أن يعيشا سويا في سلام في القدس وغيرها، لما استمر الصراع حول القدس حتى يومنا هذا، وبالمناسبة فإن الكل يرفع شعار "القدس لنا"!
والتعصب الإسلامي القديم قام بوضع ثلاثة شروط صعبة للبلاد التي تم غزوها: إما الدخول في الإسلام وأما الحرب وأما دفع الجزية "عن يد وهم صاغرون"، وكلها شروط صعبة جدا يفرضها المنتصر على المهزوم وتخيلوا لو كان الدخول للإسلام بالدعوة الطيبة فقط مثلما انتشر الإسلام أندونيسيا وفي بلاد شرق آسيا وكثير من بلاد أفريقيا تطبيقا للآية: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، لما كنا نعاني حتى اليوم من إرهابيين يؤمنون بحتمية دخول الإسلام إلى كل بلاد العالم إما بالسلم أو بالحرب أو دفع الجزية.

والحروب العنصرية الناتجة عن التعصب بين الكاثوليك والبروتستانت كانت حروبا دامية استمرت حتى بداية القرن الواحد والعشرين عندما أنهاها الرئيس الأميركي كلينتون باتفاقية الجمعة الشهيرة بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا، ومن أكبر الجرايم التي حدثت في التاريخ حدثت في أعقاب إعلان استقلال الهند، فبعد ان كانت الهند بلدا واحدة انقسمت إلى ثلاثة بلدان هي الهند وباكستان وبنجلاديش، ورفض زملاء غاندي المسلمون الحفاظ على وحدة الهند بالرغم من دعم غاندي بأن يكون أول رئيس للهند مسلما، وبعد أن رفض الزعيم المسلم محمد علي جناح هذا الحل وأصر على الاستقلال عن الهند لذلك بدا ملايين من الهنود المسلمين الذين يعيشون في الهند وملايين من الهنود السيخ الذين يعيشون في باكستان في مغادرة بيوتهم، وقامت مجموعة متعصبة تقودها الكراهية للتصادم بين المسلمين والسيخ الأمر الذي أدى لوقوع ربع مليون ضحية التعصب والكراهية.
وأيضا نتيجة التعصب الشديد للديانة الإسلامية من جانب الدولة العثمانية دفع ضريبة ذلك التعصب والكراهية آلاف ضحايا الأرمن والذين تفرقوا وطردوا من بلادهم وتشتتوا إلى كل بلاد العالم، وحتى اليوم يرفض الأتراك بالاعتراف والاعتذار عن مذابح الأرمن. 
وللأسف بعد نشأة دولة إسرائيل حدث نفس الشيء لليهود الذين يعيشون في البلاد العربية فقد تم طرد معظمهم من بلادهم وتم نهب أموالهم حتى مقابرهم لم تسلم من النهب والسرقة، كل هذا بسبب التعصب ضد اليهود، والشيء بالشيء يذكر فقد استولى المستوطنون اليهود في الضفة الغربية على أراضي الفلسطينيين وتم طردهم من بلادهم وتم بناء مستوطنات يهودية في القرى والمدن العربية حتى بلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ما يقارب المليون نسمة.  
وحتى اليوم نرى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا حروبا وضحايا نتيجة التعصب الديني بين الشيعة والسنة في اليمن وسوريا والعراق.
ومعظم جرايم التعصب والكراهية عبر التاريخ كانت لها جذور وخلفيات دينية وأحيانا مطامع سياسية تختبئ خلف شعارات دينية، وهناك أمثلة أقل للتعصب العنصري مثلما حدث ويحدث في أميركا من تعصب بعض البيض ضد السود رغم أن معظم الأميركان يدينون بالديانة المسيحية والتي تدعو للمحبة والتسامح.
ومن أفظع الجرايم التي حدثت في تاريخ البشرية هي جريمة الحزب النازي والذي حكم ألمانيا من عام 1939 وحتى عام 1945 وتبنى فكرة عنصرية مقيتة وهي أن الجنس الآري الألماني هو أرقى الأجناس، وقام بارتكاب مذابح وفظائع ضد اليهود وغيرهم من الأقليات، وأقاموا بإشعال الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها ملايين البشر معظمهم من الأبرياء كل هذا بسبب تعصب مقيت.
وأتباع الديانات السماوية الثلاث الكبرى يتفاخرون على بعضهم البعض، فاليهود يقولون بأنهم "شعب الله المختار"، والمسلمون يؤمنون بأنهم "خير أمة أخرجت للناس"، والمسيحيون يؤمنون بأن "الله والإنسان والروح القدس تجسدت جميعا في جسد الرسول عيسى عليه السلام"، وكل هذا لا غبار عليه وممكن أن يكون تعصبا حميدا مدفوعا بالحب للديانة وللرسول وحب الله، ولكننا نرى أنه في بعض الأحيان يتحول هذا التعصب إلى تعصب مليئ بالكراهية إلى درجة قتل الآخر.