الجامعة الأميركية بالقاهرة تجدد دماء جائزة نجيب محفوظ

الجائزة تمنح ستة من المرشحين فرصة الزهو بوصول رواياتهم إلى مستوى من التقدير الأدبي.
ترجمة عمل الفائز إلى اللغة الإنجليزية وصدوره عن قسم النشر بالجامعة الأميركية
فتح الآفاق الرحبة أمام العمل الفائز ليترجم إلى لغات عديدة بعد الإنجليزية

تشهد جائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي العربي التي يمنحها قسم النشر بالجامعة الأميركية بالقاهرة تجديدًا في آلياتها يساير آليات منح الجوائز العربية والعالمية الأخرى التي تُعلن عن قائمة قصيرة بالأعمال التي استقر الرأي عليها، ليتم تصعيد أحدها لنيل الجائزة. 
وأظن أن هذا أمر طيب؛ لأنه يمنح ستة من المرشحين فرصة الزهو بوصول رواياتهم إلى هذا المستوى من التقدير الأدبي، ويجعلهم يتعلقون بهذه اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن الفارس الذي سيظفر بميدالية محفوظ وجائزته المادية، فضلًا عن الميزة الكبرى التي تتمثل في ترجمة عمل الفائز إلى اللغة الإنجليزية وصدوره عن قسم النشر بهذه الجامعة، ومن ثم فتح الآفاق الرحبة أمام هذا العمل ليترجم إلى لغات عديدة بعد الإنجليزية.
ومن المؤكد أنك عزيزي القارئ تود أن تتعرف على هؤلاء الفرسان الستة الذين وصلوا إلى القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ في دورة 2021.
إنهم: الروائي اليمني الغربي عمران بروايته "حصن الزيدي"، والروائي الجزائري أحمد طيباوي صاحب رواية "اختفاء السيد لا أحد"، والروائي المصري محمد علي إبراهيم صاحب رواية "حَجَر بيت خلَّاف"، ومواطنه الأديب عمر طاهر برواية "كُحل وحبَّهان"، والروائية المصرية أمل رضوان صاحبة رواية "في مدن الغبار"، والروائية السورية المقيمة في فرنسا مها حسن عن روايتها "حيّ الدهشة". 
تراجع رواية "إختفاء السيد لا أحد" مفهوم الوجود، والانسحاب القهري في المسخ المبرمج لذواتنا. فيحارب البطل في كل شيء ليجد نفسه يرعى شيخًا مصابًا بالزهايمر، يتوفى الشيخ، ويبدأ ضابط التحقيق البحث في ملابسات وفاته، ليكتشف أنه أمام رجل اختفى بعد الوفاة ولا يمكن الاستدلال عليه، فلا أثر للسيد لا أحد.
ويقوده البحث إلى من تقاطعت حياة السيد لا أحد مع حياتهم؛ فيجد في كل منهم انعكاسًا للسيد لا أحد الذي يبحث عنه، ويصل في النهاية إلي ما يشبه حل لغز الرجل الذي خلع وجهه وهرب!
وأحمد طيباوي أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة البويرة، وقد سبق له الفوز بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الرابعة 2014 عن روايته "موت ناعم"، أما روايته "المقام العالي" ففازت بالمرتبة الأولى في مسابقة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب دورة 2011.

ولو وصلنا إلى "مدن الغبار" لأمل رضوان فسنجد أن لجنة التحكيم تصفها بأنها سرد متعدد الألحان، موزع على عدد كببر من الشخصيات النسائية التي تعاني مآسي الاغتصاب والتحرش من جراء الإعتداء على مدن عربية وتهجير أهلها.
أما  البطل الرئيس في هذه الرواية فهو عامل إغاثة في منظمة دولية، وهو الذي يؤثر في كل تلك الأصوات النسائية بشكل أو بآخر، وهو مصري يحاول مساعدة اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري في الأردن.
وبين أزمة هوية إلما، زميلة البطل في العمل، وهؤلاء اللاجئات اللواتي يعانين من صدمة الاغتصاب والتعذيب، والبؤس وعبثية المساعدات الدولية تدور الأحداث.
ويسهم السرد إلى جانب الحضور القوي لمأساة تلك الشخصيات النسائية في شد اهتمام قارئ الرواية التي تسعى للتأكيد على أن التضامن والأمل هما ما تبقى من مدن الغبار.
وأمـل رضـوان من مواليد القاهرة، وهي حاصلة على ليسانس الأدب الإنجليزي، والماجستير في الترجمة الفورية، وتعمل حاليًا مترجمة فورية بالأمم المتحدة.
وقد أصــدرت مجموعة قصصية بعنوان "البيت الأولاني" حازت الجائزة الأولى لمؤسسة ساويرس الثقافية لكبار الكتاب عام 2014 والمجموعة القصصية "شوكولاته سودا" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة بالكويت لعام 2007 .
ورواية "حصن الزيدي" للكاتب اليمني الغربي عمران تدور أحداثها في مجتمع جنوب شبه جزيرة العرب؛ من أرياف جبلية إلى مدن مثل: صنعاء وعدن؛ حيث صراع طبقي يقوده مشايخ متسلطين يساعدهم فقهاء دين على رعية مستضعفة مستلبة، ذلك الصراع الروائي الذي أمتد من أواخر سنوات الاحتلال البريطاني في عدن.
والرواية تحكي قصة شريحة مهمشة يطلق عليها "الأخدام" أو عبيد الأرض، ويحاول بعض أفرادها التمرد على واقعهم .
والغربي عمران كاتب وروائي يمني بارز وصاحب حضور كبير في الساحة الأدبية العربية كلها وكتب القصة القصيرة والمقال والرواية، واشتهر بشكل خاص بروايته المثيرة للجدل "مصحف أحمر". ونشر خمس مجموعات قصصية وست روايات.
ومن اليمن إلى فرنسا، حيث تقيم الكاتبة السورية مها حسن التي تقول في روايتها التي وصلت إلى هذه القائمة: "الدهشة كنزٌ مختبئ في حلب"، على لسان إحدى بطلاتها.
 وتسعى مها حسن عبر هذه الرواية إلى جلب هذه الدهشة عبر الكتابة واستدعاء الذكريات لتعيد رسم ملامح مدينة حلب البديعة وأحيائها الشعبية القديمة، وطقوس عيشها، وبساطة ناسها، وأحلامهم الصغيرة، قبل أن تأتي الحرب، فتدمّر في طريقها كلّ هذا.
ويتحقق ذلك عبر تكنيك فريد يستلهم من أسماء الروايات العربية والعالمية عناوين الفصول. ويروي لنا أبطال "حيّ الدهشة" حكايتهم منذ "خيّال الزرقا"، و"كوابيس بيروت" حتى منزل "الجميلات النائمات". إنها حكايةٌ عن الحب، وعن ذكريات الطفولة، وعن القتل بالنيّة، والمشيمة العاطفية، وعن دور الأدب في حياتنا.
ومها حسن روائية سورية وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية عير روايتيها: "حبل سري" عام 2011 و "الراويات" 2014. كما صلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب بروايتها "مترو حلب" في دورة 2017، و"عمت صباحاً أيتها الحرب" عام 2018. وشاركت في العديد من الملتقيات الأدبية في الجامعات الأوربية مثل: بروكسل ـ فرانكفورت ـ ستراسبورج ـ رين – كوبنهاغن. كما شاركت في مهرجان طيران الإمارات العالمي للآداب في دبي عام 2018.
ونصل إلى الكاتب المصري محمد علي إبراهيم الذي يعمل مهندسًا وهو شاعر وكاتب قصة قصيرة ورواية. وله العديد من الكتب المطبوعة، ومنها "حجر في بيت خلاف" التي تدور أحداثها في المجتمع المهمش في صعيد مصر، ومن خلالها يروي قصة صبي صغير يتعرض لاعتداء جنسي من قبل حارس مقبرة، ويكون ذلك بعلم والده، الذي يرغب في التنقيب عن الآثار الفرعونية. وتنقل الرواية القارئ إلى عالم تجار الآثار وتجار المخدرات في هذا المجتمع العجيب. وتوضح مدى انتشار هذه الأعمال في هذا الجزء من مصر. ويتعمد المؤلف توظيف لغة قرآنية، وفصحى راقية إلى جانب عامية صعيدية، كما يستخدم رموزًا هيروغليفية وأيقونات قبطية.
أما رواية عمر طاهر فتكشف متعة استخدام الطعام والرائحة في كتابة قصة حياة رجل عادي. المراهقة، الحب، الغربة، الوحدة، الزواج، الأصدقاء، النجاح، والفشل. هناك دائمًا طعم ورائحة كما يحكي بطل الرواية.
وعمر طاهر ولد في صعيد مصر في منتصف السبعينات من القرن الفائت. وتعد "كحل وحبَّهان" روايته الأولى، وإن كان أصدر قبلها العديد من الكتب،، وله في الشعر عدة دواوين. كما كتب للسينما، وكتب أغنيات لكثير من المطربين مثل: أصالة، ورامي صبري، وأحمد عدوية، وسعاد ماسي، وأحمد سعد. وحصل على عدة جوائز، من بينها جائزة أفضل كاتب مقال عام 2015 في استفتاء مجلة الشباب، وحصل كتابه "إذاعة الأغاني" على جائزة أفضل كتاب 2015 في استفتاء المكتبات والقراء. 

وقد تابعت ميلاد جائزة وميدالية نجيب محفوظ للإبداع الروائي التي دشنها قسم النشر بالجامعة الأميركية بالقاهرة في أعقاب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، ولمست كيف نجح مارك لينز، مدير قسم النشر هذا ومساعدته نبيلة عقل في جعل هذه الجائزة ذات القيمة المادية البسيطة (ألف دولار أميركي وميدالية مذهبة) قياسًا بجوائز عربية وعالمية أخرى في مجال الرواية العربية أيضًا، نجح في جعلها مركز اهتمام  معظم الروائيين العرب من المحيط إلى الخليج، بل والمقيمين منهم في بلدان المهجر الأوروبي أو الأميركي وغيرهما.
ولعل هذا هو ما جعل الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة المصري الأسبق، يحرص على تلبية دعوة القائمين على هذه الجائزة لحضور حفل تسليمها في يوم الاحتفال بعيد ميلاد نجيب محفوظ في ديسمبر/كانون الأول من كل عام في أفخم قاعات الجامعة الأميركية بالقاهرة.
وتحتفظ ذاكرتي بأسماء هذه الشخصيات العظيمة التي أشرفت على الجائزة وأسهمت في تحكيمها ومنحتها من رصيدها قيمة رفعت من قيمتها المادية، ومن هذه الشخصيات مثلًا الدكتورة فريال غزول جبوري، التي كانت تنسج قصيدة وهي تتلو علينا بإنجليزيتها الرفيعة تقرير لجنة التحكيم حول رواية العام المحظوظة بنيل جائزة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ.
وتتوالى السنون ويتم تغيير الدماء التي تشكل لجنة تحكيم هذه الجائزة، فتجلس الدكتورة تحية عبدالناصر على مقعد أستاذتها فريال غزول، وقد أفادت كثيرًا من الخبرات التي قدمتها للجائزة كاسم كبير في مجال الدراسات والنقد الروائي.
ومؤخرًا أبلغني قسم النشر بالجامعة الأميركية بآلية جديدة اعتمدت بدأ من دورة 2021، بدأت بتغيير أغلب أعضاء لجنة تحكيم الجائزة في دوراتها الأخيرةه بحيث أصبحت الناقدة الدكتورة شيرين أبوالنجا رئيسًا للجنة التحكيم، وضمت اللجنة في عضويتها هذه الأسماء: همفري ديفيز، وثائر ديب، وسماح سليم، وهبة شريف.
ومن المعروف أن شيرين أبوالنجا أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة القاهرة. ولها مؤلفات بالعربية والإنجليزية ومقالات في دوريات علمية محكمة. 
أما همفري ديفيز فهو مترجم معروف، حائز على جوائز في ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية. وقد حصل على الدكتوراه في دراسات الشرق الأدنى من جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وترتبط ترجماته بالعصر الفاطمي ومنه تمتد إلى اليوم، ومن أبرز الكتب التي ترجمها: "الساق على الساق فيما هو الفرياق" لفارس الشدياق، و"زقاق المدق" لنجيب محفوظ، و"ولدت هناك، ولدت هنا" لمريد البرغوثي، و"واحة الغروب" لبهاء طاهر، و"عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني.
 كما حصل مرتين على جائزة سيف غباش – بانيبال للترجمة الأدبية العربية: في عام 2006 عن ترجمته لـ"باب الشمس" لإلياس خوري، وفي عام  2010 عن ترجمته لـ"يالو" للكاتب اللبناني نفسه.
أما ثائر ديب، فهو روائي ومترجم سوري، عمل في وحدة ترجمة الكتب في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في لبنان المعروفة باسم "ترجمان"، كما عمل في عدد من المشروعات الثقافية والترجمية، في الهيئة العامة للكتاب في سوريا، وفي الهيئة الاستشارية لمشروع نقل المعارف في البحرين، كما عمل في مناصب تحريرية في عدد من المجلات الثقافية، رئيسًا لتحرير مجلة "جسور" ومديرًا لتحرير مجلة "تبيّن".
وقد ترجم العديد من الكتب من الإنجليزية إلى العربية، ومنها: "تأملات في المنفى" لإدوارد سعيد؛ "نظرية الأدب لتيري إيجلتون"، "الجماعات المتخيَّلة: تأملات في أصل القومية وانتشارها" لبندكت أندرسون؛ "نشوء الرواية" لإيان واط.
ونصل إلى الدكتورة سماح سليم الأستاذة المشاركة بقسم الآداب في اللغات الإفريقية والشرق الأوسط وجنوب آسيا بجامعة روجرز بالولايات المتحدة الأميركية. وهي في أبحاثها تركز على الأدب العربي الحديث، مع اهتمام خاص بأنواع السرد المختلفة، ولها كتاب "الرواية الشعبية والترجمة والنهضة في مصر"، وفازت بجوائز عن ترجماتها الأدبية مثل "الطوق والإسورة" ليحيى الطاهر عبدالله الحائزة على جائزة سيف غباش – بانيبال للترجمة الأدبية العربية لعام 2009، وفي عام 2011 حصلت على جائزة جامعة أركنساس للأدب العربي المترجم عن ترجمتها لرواية "شجرة الدر" لجرجي زيدان، كما حصلت في عام 2018 على جائزة الوقف الوطني لترجمة الفنون عن ترجمتها رواية غالب هلسا "سلطانة".
أما الدكتورة هبة شريف فهي كاتبة وناقدة مصرية متخصصة في الدراسات الثقافية، وقد حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة القاهرة. وهي تكتب باللغتين الألمانية والعربية عن التفاعل الثقافي والأدب المقارن. ولها ترجمات عن الألمانية لـ"كريستا وولف" و"أوڨا تيم"، كما أنها نشرت ثلاثة مؤلفات باللغة العربية. وتم اختيارها في عام 2004/2005 عضوًا في لجنة تحكيم برنامج "ليتريكس"؛ وهو مشروع تابع لمعهد جوته لترشيح الكتب الألمانية للترجمة إلى اللغات المختلفة.