الرئيس الروسي يمنح "وسام بوشكين" لمكارم الغمري

فلاديمير بوتين يقلد وسام "بوشكين" لأستاذة الأدب الروسي المصرية تقديرًا للدور الذي لعبته في التعريف بالثقافة الروسية في العالم العربي وترجمة عيونه إلى العربية.
اهتمامات الغمري تنوَّعت بالدراسـات الأدبية، فشملت الأدب العربي والأدب المقارن والترجمة والنقد، وشاركت بنشاط في الحياة الأدبية في مصر
الغمري تُعدُّ رائدة في الدراسـات المقارنة بين الأدبين العربي والروسي

قلَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسام "بوشكين" لأستاذة الأدب الروسي الدكتورة مكارم الغمري، أستاذ الأدب الروسي والعميد الأسبق لكلية الألسن بجامعة عين شمس في مصر، تقديرًا للدور الذي لعبته في التعريف بالثقافة الروسية في العالم العربي وترجمة عيونه إلى العربية، ومد جسور الحوار الثقافي بين مصر وروسيا، وتكوين أجيال من الأساتذة في هذا المجال، وهو ما أهلها لنيل جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات المقارنة بين الأدب العربي والآداب الأخرى في دورة عام 1999.
وُلِدت الدكتورة مكارم الغمري بمحافظة الفيوم في مصر عام ١٩٤٧، وحصلت على إجازة كلية الألسن من جامعة عين شمس بالقاهرة عام ١٩٦٧، ودكتوراه الأدب المقارن من جامعة موسكو عام ١٩٧٣. وقد تدرَّجت في المناصب الأكاديمية حتى أصبحت أستاذة في الأدب الروسي المقارن بكلية الألسن.
وقد تنوَّعت اهتماماتها بالدراسـات الأدبية، فشملت الأدب العربي والأدب المقارن والترجمة والنقد، وشاركت بنشاط في الحياة الأدبية في مصر. ولها العديد من الدراسـات في الأدب المقارن، كما قامت بترجمة بعض القصص والمقالات والمسرحيات الروسية إلى العربية، ونشرت تراجم لبعض الأدباء والمستشرقين الروس. وهي عضو في اتحاد الكتَّاب المصريين، والجمعية المصرية للأدب المقارن، والفرع المصري لنادي القلم الدولي، ولجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة. وقد منحتها الحكومة الروسية من قبل "ميدالية بوشكين" بمناسبة الاحتفال بالمئوية الثانية لميلاد شاعر روسيا العظيم الكسندر بوشكين .
وتُعدُّ رائدة في الدراسـات المقارنة بين الأدبين العربي والروسي. وقد أنجزت بحوثها على مدى طويـل استكملت خلاله عدّة الباحث المتعمِّق في هذا الميدان، كما نشرت عددًا من الدراسات ذات الصلة بالأدب المقارن. ويُعدُّ كتابها: "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي" أول دراسة عربية علمية شاملة وموثَّقة للتأثير العربي والإسلامي في الأدب الروسي خلال القرن التاسع عشر الميلادي. فقد كشفت فيه، وفي غيره من بحوثها، النقاب عن تأثُّر كبار الأدباء الروس بالتراث العربي والإسلامي. ولذلك فإن كتابها هذا يُعد من الكتب العربية المهمَّة في الأدب المقارن، وهو كتاب يمتاز بالأصالة والبعد التطبيقي. ويمثل إضافة حقيقية في ميدان الأدب المقارن. 

Medal of Pushkin
الكاتب مع د. مكارم الغمري

ومن مؤلفاتها أيضًا: "الرواية الروسية في القرن التاسع عشر"، و"بوشكين عند نافورة الدموع"، و"مختارات شعرية"، و"نافخ البوق الخالد"، علاوة على دراسة وترجمة عدد من مسرحيات أوستروفسكي.
وقد أشرفت على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الأدب الروسي والأدب المقارن والترجمة.
وتولَّت عددًا من المهمَّات الإدارية؛ ومنها: رئاسة قسم اللغة السلافية، وإدارة شعبة الترجمة بوحدة رفاعة رافع الطهطاوى للدراسات والاستشارات والترجمة، ثم أصبحت عميدة للكلية واهتمت بتطويرها وعملت على إنشاء مركز للدراسات الصينية وقسم اللغة الكورية فيها.
أما وسام بوشكين فيعد من أرفع الأوسمة في روسيا، ويمنح للأجانب عن دورهم في التقريب الثقافي بين بلدانهم والاتحاد الروسي. وهو يحمل اسم رائد الأدب الروسي الشاعر ألكسندر سيرجي بوشكين، الذي يطلق اسمه على المتحف الوطني الروسي، وفي يوم مولده من كل عام يتم الاحتفال باللغة الروسية.
وفي أحدث بحوثها التي أصدرها الدكتور ماجد الصعيدي في كتاب بعنوان "الاستشراق والثقافة العربية بين الأيديولوجيا والإنجاز المعرفي" عن "وحدة رفاعة للبحوث والترجمة" بكلية الألسن في مصر تقدم لنا المستشرق الروسي "أغافانغيل كريمسكي" الذي يعد واحدًا من أبرز العلماء في الاستشراق الروسي والأوكراني في القرن العشرين. ويعتبر كريمسكي من أكثر المستشرقين إسهامًا في حقل الثقافة العربية، وفي إعداد أجيال من المستشرقين الروس، ممن كانت لهم بصمتهم المميزة في مسـيرة الاستشــراق الروسـي، ومنهم المستشـرق كراتشكوفسـكي الذي كان يَعتبر كريمسكي «معلمه الروحي الذي كانت لأعماله المبكرة فضل إيقاظ الاهتمام بداخله تجاه العالم العربي».
وتتوقف الدراسة عند عطاء كريمسكي في الثقافة العربية بشكل عام، وعند تأريخه للأدب العربى بشكل خاص، حيث نقدم عرضًا وتحليلًا مفصلًا لكتابه "تاريخ الأدب العربي الحديث".
وتوضح الدكتورة مكارم أن كتابات كريمسكي تنتمي إلى فترة مهمة في تطور الاستشراق الروسي: النصف الأول من القرن العشرين، وقد سبق أن قدمنا من قبل صورة عامة عن مراحل تطور الاستشراق الروسي.
قطع الاستشراق الروسي شوطًا طويلًا منذ بداياته الأولى في مطلع القرن الثامن عشر، حين أرسل القيصر بطرس الأكبر (1672 – 1725) إلى إيران مجموعة من الدارسين من الشباب لتعلم اللغات الفارسية والتركية والعربية. وقد جاء هذا الانبعاث في إطار تطلع بطرس الأكبر إلى تأسيس مدرسة للاستشراق الروسي على غرار النموذج الغربي.
وقد تلت محاولة بطرس جهود القيصرة يكاترينا الثانية (1762-1796) في تدريس اللغة العربية في المناطق الإسلامية.
غير أن حصيلة الاستشراق في القرن الثامن عشر لم تكن ذات شأن كبير، ويمكن اعتبار فترة بداية القرن التاسع عشر في روسيا بداية التطور الفعال في تاريخ الاستشراق، فقد صدر في عام 1804 ميثاق الجامعات «الذي افتتح عهدًا جديدًا في حركة الاستشراق في روسيا، فقد أدرج لأول مرة وبشكل منهجي تدريس اللغات الشرقية في برنامج المدرسة العليا وخُصص لها أقسام».
وإثر صدور الميثاق بدأت تتأسس تباعًا أقسام للغات الشرقية وعلى رأسها العربية في مدن روسيا المختلفة، وفي مقدمتها بطرسبرج التي صارت مركزًا للاستشراق في روسيا. وبخطى موازية يتم في روسيا تأسيس قاعدة للمخطوطات العربية الشرقية التي يعمل على اقتنائها المتحف الآسيوي الذي تمكن في عام 1818 من اقتناء مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية والإيرانية والتركية.
وبالتوازي مع تأسيس الاستشراق العلمي، وازدهار الحركة الرومانتيكية في النصف الأول من القرن التاسع عشر تطور الاهتمام بالشرق عامة، والعربي خاصة، وأثمر العديد من التأثيرات في الأدب الروسي في تلك الفترة.
أما بالنسبة للفترة التي ينتمي إليها إنتاج كريمسكي: فترة النصف الأول من القرن العشرين، فقد اتسمت بتدعيم التأسيس العلمي للاستشراق الروسي المتخصص، حيث بدأ في هذه الفترة ظهور نمط المستشرق المتخصص في فرع بذاته من فروع المعرفة التخصصية الاستشراقية. 
ونمت في اطراد في هذه الفترة أعداد الدارسين والباحثين في اللغة والثقافة العربية، ونوقشت العديد من الأطروحات العلمية التي ناقشت العديد من الموضوعات المتعلقة بالشرق عامة، والعربي خاصة. فضلاً عن ظهور العديد من المنابر الصحفية والعلمية ودور النشر المتخصصة التي اهتمت بالتقديم، والتعريف، والترجمة لثقافة الشرق العربي.

وسام بوشكين
مد جسور الحوار الثقافي بين مصر وروسيا

وتشير الدكتورة مكارم إلى أن كريمسكي يمثل نمطًا مميزًا من المستشرقين الموسوعيين، فقد تنوعت اهتماماته العلمية، والبحثية، والثقافية العامة، وتناولت كتاباته اللغويات السلافية، والأوكرانية خاصة، ودراسات في اللغة العربية وآدابها، والإسلام، والدراسات السامية، والإيرانية، والتركية، والصوفية، وبالإضافة إلى ذلك فهو شاعر، وكاتب، ومترجم، وكان يجيد العديد من اللغات.
أسهم التكوين العلمي والثقافي في تعدد اهتماماته، وتنوعها، فإلى جانب دراسة اليونانية واللاتينية في المرحلة ما قبل الجامعية درس في معهد لازاريف (الاستشراق حاليًا) في موسكو اللغات العربية والفارسية والتركية، بالإضافة إلى الأوكرانية.
ثم درس اللغات السلافية في كلية الفيلولوجيا بعد الانتهاء من الدراسة في معهد لازاريف.
سافر كريمسكي لمدة عامين في مهمة علمية إلى سوريا ولبنان (1896 – 1898). وقد كانت فترة إقامته في الشرق العربي فرصة طيبة للتعرف عن كثب على الإسلام، والثقافة العربية، والاحتكاك باللغة العربية الدارجة، مما كان له أثره الكبير على كتاباته.
جاءت بعض كتابات كريمسكي عن الشرق العربي في شكل دراسات تناولت الإسلام بالشرح والتقديم، ظهر بعضها في المعجم الإنسكلوبيدي مثل مقالاته «القرآن»، «الرسول محمد». وظهر البعض الآخر في كتب مثل كتابه «تاريخ الإسلام» في ثلاثة مجلدات ظهرت خلال السنوات 1903 – 1904 – 1912، «مصادر عن تاريخ الرسول محمد» (1902) وغيرها. 
وقد حاول كريمسكي في كتاباته عن الإسلام تحري الموضوعية، واختلف مع آراء بعض المستشرقين الأوربيين الذين شاهدوا في الإسلام عائقًا أمام تقدم الشعوب الإسلامية. وقد كان لكتابات كريمسكي عن الإسلام دور مهم في الثقافة الروسية ولاسيما كتابه «تاريخ الإسلام» الذي ظهر في عام 1903 والذي تعرف من خلاله أدباء كبار من أمثال لـ تولستوي وم. جوركي على الإسلام.