انتصار الفحولة الجاهلية

التركيبات الدينية ـ الاجتماعية الذكورية تتأتى الصنع من تاريخ بشري طويل اعتمد القوة الجسدية كمقياس أفضلية.
الخطاب عن النساء لا يزال يتخذ أشكالاً عدة في القوالب المفاهيمية والمعيارية التي كونها الرجال عن النساء
الفهم الاسلامي من جهة التراث والفكر الجمعي المختزل في الجندري لا يزال مرتعا للتناقضات حتى لنحسب أن المرأة هي عدوة المرأة

تتأتى التركيبات الدينية ـ الاجتماعية الذكورية الصنع من تاريخ بشري طويل اعتمد القوة الجسدية كمقياس أفضلية؛ ولهذا المقياس في حد ذاته تاريخ غائر في القدم، يخمنه الأنثروبولوجيون على أنه بدأ حين كان المجتمع الذكوري البشري، في بدايات تشكل فصيل الهوموسيبيان، يمنع الطعام عن المجتمع الأنوثي فيأسره في مجاعات ممتدة، مما دفع بتطور الأجساد الأنثوية بشكل أضعف وأقل قدرة جسدية عضلية بالعموم. 
أتت التركيبات الدينية الاجتماعية لتعيد صدى هذا التاريخ المتوحش القديم، ولتمثله بشكل واضح وفج في كل أنحائها وزواياها بوضع الأنثى في طبقة أقل من الذكر وبالتالي في تعيينها، منذ ولادتها، في خدمة هذا الذكر وتحت سلطة مجتمعه الأبوي الذكوري من مهدها إلى لحدها.
"النسوية" بشكليها التقليدي والراديكالي المتطرف تمثل بأطروحاتها انتصاراً للفحولة الجاهلية معيدة إنتاج ضدها الذكوري، فلا يزال الخطاب عن النساء يتخذ أشكالاً عدة في القوالب المفاهيمية والمعيارية التي كونها الرجال عن النساء، فحركات التحرر النسوية وصلت في عصرنا إلى درجات من التناقض والانشطار بين النسوية المعاصرة التي "تؤكد النزعة الإنسانية ككل" وأخرى إيمانية تكرس للهويات الدينية في بناء نسوية مضادة يقودها المقدس والشرعي والديني في إعادة لإنتاج ذات البطرياركية الأبوية بواجهة عصرية.
الفهم الاسلامي من جهة التراث و الفكر الجمعي المختزل في الجندري لا يزال مرتعا للتناقضات حتى لنحسب أن المرأة هي عدوة المرأة. 
فدعاة الدين الشعبوي يتشبثون بدونية المرأة وتبعيتها للرجل كما تكرسها الثقافة، بينما المعاصرون يسعون لتقديم بديل بحيث يبدو الإسلام قادرا على إدارة الحياة وامتلاك القدرة على استيعاب التوترات الناشئة عن الصراع بين التقليد والحداثة ضمن خطاب توفيقي تلفيقي مفاده أن المسلم يمكن له العيش في هذا العالم المعولم بما يتوافر له من وسائل ميتافيزيقية  لجهة "النص" كي يبني حقائقه وأخلاقه وهويته.
وقد لاقى هذا البرويكولاج أو النموذج حسب لغة ليفي شتراوس رواجاً لدى العديد من النساء لاعادة تعريف هويتهن على نحو يعتبرنه تطويعا للحداثة. 

أولاً: ثالوث مقدس جديد:
الحركة الانثوية (الفيمينست) بدأت متطلباتها التي تطورت في منتصف 1989، حول توسع فرص التعليم والمساواة القانونية، وحقوق المرأة الضائعة، ولسوء أوضاع المرأة في الغرب عامة في تلك الفترة ومع تطور الثورة الصناعية في المجتمعات الغربية، ونظراً لحاجة المصانع لمجهود المرأة، تبنت الحركة الأنثوية أفكاراً أكثر تحرراً وحطمت كافة القيود الأخلاقية والاجتماعية المحيطة بالمرأة، وتبنت متطلباتها حق المرأة المطلق في ممارسة الجنس كما تشتهي، ورفض مؤسسة الزواج كما تبنت الحق المطلق في الإجهاض.
إزاء هذه الأفكار طالبت الأنثوية برفض أوضاع المرأة المرتبطة بتركيبها الهرموني، ومن ثم ضرورة تغيير مجموع العلاقات بين الجنسين داخل الأسرة (الجندر).
كما طالبت بمبدأ الحركة المطلقة للمرأة ونزع القداسة عن عقد الزواج والرباط الأسري، والاستخفاف المستمر بعفة المرأة، وأهمية غشاء البكارة معتبرة أن هذا جزء من الثقافة الذكورية التي ترى في المرأة متاعاً خاصاً للرجل ورفعت الأنثوية ثالوثها الثلاث: الإصلاحات الاجتماعية (إلغاء القوانين)، المطالب السياسية، والحب الحر.
وبناء عليه سعت "الأنثوية" إلي ترسيخ مفاهيمها الاجتماعية، وتبنت مطالب الشذوذ الجنسي في الأمومة والإنجاب من خلال ابتداع تقسيمات جديدة "الأم البيولوجية .. والأم الاجتماعية" وروجت لثقافة جديدة تقوم على الإباحية وملكية المرأة لجسدها، وهو ما أفرز: أمهات غير متزوجات - ترك طفل لمؤسسات التبني – الإجهاض - القضاء على الأحداث - رفض الحجاب والتستر، بل التوسع في شركات التجميل والزينة – وبناء الأسر اللانمطية (زوجة وثلاثة أزواج) - زوج وزوج - اللواط - السحاق (باعتباره يخلص المرأة من سيطرة الرجل).
ثانياً: اعتلال المقدس:
الأخطر من ذلك ما سعت  إليه الأنثوية من محاولة تغيير وإعادة صياغة اللغة الذي دفع بعض الكتابات العلمانية المعاصرة إلى الدعوة لإعادة صياغة القرآن الكريم ولفظ الجلالة بصياغة جديدة تميل إلى المرأة "لماذا لا يكون لفظ الجلالة مؤنثاً" كما نرى لدى الكاتبة نوال السعداوي حين تقول في إحدى مقابلاتها مع قناة بي بي سي "جريمتي الكبرى أني ولدت امرأة حرة في زمن لا يوجد فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل في زمن إلغاء العقل" وتقول سعداوي في مكان آخر "لا يوجد ثوابت في الأديان ولا يوجد نص ثابت، وتجديد الخطاب الديني يعني تغيير الثوابت."
ثانياً: قالت في عام 2014 إنّ جذر اضطهاد المرأة يرجع إلى النظام الرأسمالي الحديث والذي تدعمه المؤسسات الدينية. كما ترى أنّ نظام الميراث الإسلامي ظلمٌ كبير للمرأة. 
كما  علقت في عام 2007 على وفاة الطفلة صاحبة الاثنتي عشرة سنة، بدور شاكر أثناء عملية "ختان": "بدور، هل كان يجب عليك الموت لتنيري هذه العقول المظلمة؟ هل كان يجب عليك دفع هذا الثمن بحياتك؟ يجب على الأطباء ورجال الدين أن يعلموا أنّ الدين الصحيح لا يأمر بقطع الأعضاء التناسلية. كطبيبة وناشطة في مجال حقوق الإنسان أرفض تماماً هذه العملية، كما أرفض ختان الذكور، وأؤمن أنّ الأطفال جميعاً؛ ذكوراً وإناثاً، يجب حمايتهم من هذا النوع من العمليات".
 وكانت السعداوي نشرت في عام 1972 كتاباً بعنوان "المرأة والجنس"، ناقدةً جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان و"الطقوس الوحشية التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة".

ردة الفعل الذكورية، بالسخرية من ملامح أنثى قررت عدم غطاء وجهها، لا تدل سوى على خوف وقلق كامن عند هذا الشخص من تجاوز هذه الأنثى مرتبتها النوعية والبيولوجية فتتساوى معه

ثالثاً: أزمة دونية:
"كل الشعوب العربية (ليلى) في (قيس)" تختزل هذه العبارة للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي فكرة المرأة مجدداً كمحدد وظيفي ضمن مقولات الضلع القاصر والعقل الناقص الذي يبحث عن الحمائية الذكورية بما فيها استدعاء لانثوية مقهورة ومكبوتة ضمن أبوية مستحدثة تتمثل في شخصية "قيس" بأبعادها التاريخية فهو البطل والسوبر مان الذي يبدو بشكل المخلص والقوّام الذي يقع تحت ما يمكن أن نسميه "أزمة دونية".
 ورغم ما يبدو عليه المجتمع الجديد للوهلة الأولى في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا الحديثة وأطروحات مجتمع (الميم) ليس بحاجة للذكور بشكلهم التاريخي التقليدي المكرس إسوة بباقي المجتمعات غير الإنسانية كالنحل والذي يختزل الذكر بدور الملقح الذي يخوض صراعا مع غيره من الذكور وصولاً لممارسة الجنس مع الأنثى الملكة. أو ذكر العنكبوت الذي لا يعرف خلال حياته سوى زوجة واحدة تنتهي حياته بمجرد القذف داخلها.
 هذا المجتمع المستقبلي لا يظهر فيه الرجال إلا كحواضن للسائل المنوي وآلهة مخصية لا تتمتع إلا بشهوة سطحية تنتهي بالقذف بعد أن تتم عملية تكسير لأسطورة الفحولة الخالقة.
 لذالك نرى ردة الفعل الذكورية، بالسخرية من ملامح أنثى قررت عدم غطاء وجهها، لا تدل سوى على خوف وقلق كامن عند هذا الشخص من تجاوز هذه الأنثى مرتبتها النوعية والبيولوجية فتتساوى معه، وحينها يفقد امتيازاته الذكورية الاستعلائية التي تعطيها له الثقافة والبيئة والتربية النمطية السائدة.