ثنائية في ذهن ساذج (1)

هل خلقهم الله وانتدبهم النبي واستخلفهم الإمام المعصوم ليقتحموا كل خطب عظيم وبلاء عسير واصناف من البؤس والتعاسة والذل والهوان، وأي دين وتمذهب هذا؟
الشيعة يبارزون التأريخ دينيا ويقاتلون الحاضر دينيا ولا مجال لمواجهات أخرى
النزعة الإدمانية اجهضت الديموقراطية وما يستتبعها من حياة دستورية وتعددية سياسية

ورد في مرويات الشيعة أن من اختار التشيع وأعتقد بأحقية علي بن أبي طالب بالخلافة وأن الإمامة هي الحق بينما الخلافة باطل وأن ذرية علي من ابنه الحسين هم الأحق بالزعامة السياسية والدينية؛ ليستعد للبلاء، فالأدبيات الشيعية تُبشّر الشيعة بحياة لا تسر، حياة شدائد ومطاردات وفقر وتنكيل، وسيُعايش الشيعي اصناف الهوان والصعاب والآلام، وقد نقلت كتب التراث حديثًا لعلي بن ابي طالب وهو يقول "من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا " ويؤسس الشيعة هذه البلية على قاعدة قعدها الرسول في حديث موجود في كتاب الكافي "فإِذا اَحَبَّ اللهُ عبداً، اِبْتلاءه بِعظيمِ البلاء ".. وتؤكد منابر الشيعة حتمية هذا البلاء وانه قدر محتوم.
أتساءل: لِمَ يربط العقل الشيعي التشيع بالبلاء؟
والعجيب أن الذهنية الشيعية تمزج البلاء مع التمسك بالمبادئ، ووفق هذا المزج يتحرك المسلحون في الفصائل التي ترفع شعار "المقاومة" إذ أن اغلبهم يرجع لحياته فلا يجد منزلًا لائقًا أو منطقة للسكن مناسبة للعيش، ويجد الحرمان وضنك العيش، ويعتبرها تضحية في سبيل المذهب، وآلاف من سكنة مدن الصفيح العاملين في فصائل الشيعة المسلحة يعتقدون بهذا الإعتقاد بقناعة راسخة وقد ترى على وجوههم أثر الفقر وأثر الفرح احتفاءً بهذا الفقر والحرمان!
هل خلقهم الله وانتدبهم النبي واستخلفهم الإمام المعصوم ليقتحموا كل خطب عظيم وبلاء عسير واصناف من البؤس والتعاسة والذل والهوان، وأي دين هذا وتمذهب؟!..
لِمَ هذا الربط بين التشيع والتخلف العام؟.
"التخلف هو عكس كلمة التقدُّم" والتخلف العام هو أشكال التخلف، أو التخلف في كل المجالات، وهذا ما يعانيه شيعة العراق وبالأخص الشيعة ذوي الأصول الجنوبية، ولكنها معاناة يمكن دحضها، ولكن المتشيعة يتشبثون بركائز المعاناة، ومن ركائز المعاناة أو البلاء أنهم يعتقدون جازمين بمتلازمة التشيع والبلاء، وهذه المتلازمة القارة في ذهنية الشيعة تدفعهم لاقتحام كل ألم ومعاناة، وكل بلاء، ولعل في الأمر خلل نفسي عام.
في ذهن الشيعي الجنوبي خزانتان، واحدة قديمة تضم قتل النبي الشيعي من قِبل زوجته السنية " عائشة " ومنع مزرعة فدك عن بنت النبي من السلطة السنية الحاكمة، وكسر ضلع الزهراء الشيعية واسقاط جنينها بهجوم نفذه رجال انقلبوا على وصية النبي بعد مقتله، وقتل علي في محراب صلاته، وسمّ الحسن، وقطع رأس الحسين وسبي عياله، والتنكيل ومطاردة ذرية الآل من وِلد الحسين الى أن اضطر آخرهم "المهدي" للتخفي فيما يُعرف بالغيبة الكبرى والتي مر عليها ألف وقرن وعقود، أما الخزانة الثانية فتضم شعور الشيعة المرير والعصابي بأنهم مُبعدون عن الحكم أو المشاركة في الحكم السياسي منذ شج رأس علي بن أبي طالب قبل ما يقرب من ألفية ونصف وسلب الخلافة وتمكن قرن الشيطان الأموي ومن ثم العباسي وصولًا الى حكومة البعث الكافر، والشيعة يهتمون بالتوصيفات الدينية أكثر من السياسية، فحزب البعث وبني العباس وآل أمية حكومات كافرة في نظرهم ولا ضرورة عندهم للقول بالدكتاتورية وحقوق المواطنة والديموقراطية، وإن إبعاد التوصيفات السياسية والحقوقية والتمسك بالتوصيفات الدينية أس من أسس البلاء الذي أدمنه شيعة العراق الجنوبيون، فالمخالف ناصبي قبل أن يُلتفت الى كونه يحمل رأيا سياسيا مختلفا، ولهذا يجد الشيعة بعد 2003 صعوبة بالغة في تقبّل التعددية، هم يحملون تقييم حدّي مشابه لتلك المقولة التراثية الذائعة الصيت عندهم إذ تذكر الرواية أن النبي قال واصفًا بروز علي لعمر بن ود العامري: برز الإيمان كله الى الشرك كله.
هاتان الخزانتان عززهما واقع ما بعد 2003 بخزانة ثالثة قيد الإنشاء. اتجه الشيعة بدافع ذهني مكثف الى مواجهة كبيرة وشاسعة مع الكفار والشياطين والمشركين القابعين في الخزانتين فاستُلت السيوف بشكلها الحديث "البنادق واصناف الاسلحة العصرية" بوجه ابا بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والحجاج وعشرات الحكام الأمويين والعباسيين تهيء للشيعة الحاليين أنهم بعثوا من جديد بمسميات تنظيم القاعدة والوهابية والسلفية وداعش ومجاهدو السنة والبعث وساسة المنطقة الغربية، وهكذا تكونت خزانة ثالثة هي قيد الإنشاء ستكتمل بحلول كارثة غاية في الجنون، وهكذا نرى ادمان الشيعة على البلاء وكأنه عقيدة مقدسة لا بد من اجتيازها حتمًا الى دولة الإمام المهدي أو جنات الخُلد.
هذه النزعة الإدمانية اجهضت الديموقراطية وما يستتبعها من حياة دستورية ونظام تعددية وعلاقات حقوقية معتبرة في داخل دولة مدنية، أي أن الدولة المدنية الديموقراطية أجهضت، فالشيعة في بلاءهم العظيم يبارزون التأريخ دينيًا ويقاتلون الحاضر دينيًا ولا مجال أو فسحة لمواجهات أخرى حديثة، ولتأكيد ما اقول من توصيف أدعو القارئ لمتابعة قنوات الشيعة الفضائية ومنابرهم الدينية وأهازيج حشودهم المقاتلة.
بعد جهد ومجهود وجهاد دموي يرجع الشيعي الى منطقة سكناه ومنزله وعائلته ليعايش الفقر وانعدام الخدمات وغياب الحقوق ورداءة الواقع الاجتماعي، وسيلقي باللوم على اتباع يزيد المستحدثون والعباسيون الجدد ويرفع أكف الدعاء لسادته المعممين من مراجع الحوزة المُنعمّون وقادة فصائل المقاومة الأثرياء.