ثورات مجيدة والحمد لله

أصبح لمصر خلال أقل من قرن من الزمان أربع ثورات وكلها مجيدة والحمد لله ثورة 1919، وثورة 23 يوليو 1952 وثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013.
الحيطان لها ودان ، كما كانت أمي تنصحنا بعدم الكلام في السياسة داخل البيت
للشعب المصري تاريخ حافل بالتأقلم مع الحكام سواء كانوا حكاما أجانب أم عربا أم مصريين، على طريقة: "اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي"!
الإسلام المصري لم يستطع تخليص المصريين من بعض العادات الفرعونية والمسيحية القبطية القديمة

يحتفل بعص المصريين هذه الأيام بالذكرى الثامنة والستين لحركة الضباط الأحرار والتي أطلقوا عليها ثورة يوليو فيما بعد، وهكذا أصبح لمصر ما شاء الله في خلال أقل من قرن من الزمان أربع ثورات وكلها مجيدة والحمد لله ثورة 1919، وثورة 23 يوليو 1952 وثورة 25 يناير سنة 2011 وثورة 30 يونيو 2013.
والشعب المصري من الشعوب الجميلة والطيبة ويتأقلم مع كل حاكم ويهتف لكل حاكم أمامه ويسخر من كل حاكم من أيام الفراعنة لكن من وراء حجاب لان (الحيطان لها ودان ، كما كانت أمي تنصحنا بعدم الكلام في السياسة داخل البيت).
والشعب المصري هتف أيام الملك فاروق "يعيش الملك المفدى" ، وعندما تم خلعه من العرش لم يتحرك عشرة أفراد لفداء الملك كما كانوا يهتفون، ثم هتفوا لعبد الناصر أبو خالد نوارة بلدي، وكنا نغني في المدرسة في طابور الصباح: "ناصر٠٠٠ ناصر كلما بنحبك ناصر"، ثم هتفوا للسادات: "بالروح والدم نفديك يا سادات"، وعندما تم اغتياله امام حرسه تلقى الطلقات وحده واختبا الجميع تحت الكراسي، ولم يفديه أحد لا بالروح ولا بالدم ولا حتى بالكرسي، وكان حقا بطل السلام والحرب، وعندما مات لم يمش في جنازته احد، كما غنت أم كلثوم وغنى عبد الوهاب للملك ولعبدالناصر على حد سواء، مساواة تامة في الغناء للحكام.
ومؤخرا، عندما تولى الاخوان الحكم وانتخب المصريون الرئيس محمد مرسي في انتخابات حرة قام العديد من المصريين بتربية الذقون حسب الموجة الجديدة، وازداد النقاب والحجاب بكثرة، وعندما تم خلع الرئيس محمد مرسي، لم يعترض ألف او حتى عشرة أشخاص من الـ 22 مليون مواطن الذين انتخبوه على اعتقاله وتركوه في السجن يعاني حتى وفاته، وكأنه لن يكن يوما رئيسا منتخبا، وبمجرد سقوط حكم الاخوان ودخولهم السجن، ازداد النشاط لدى محلات الحلاقة وخاصة حلاقة الذقون، حتى قام البعض بحلاقة الذقون بأثر رجعي. وقامت العديد من الفتيات بخلع الحجاب والنقاب.
وللشعب المصري تاريخ حافل بالتأقلم مع الحكام سواء كانوا حكاما أجانب أم عربا أم مصريين، على طريقة: "اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي"!
فمنذ عهد مينا موحد القطرين والمصريون في علاقة محبة ووئام مع الحكام، حتى يتم تغييرهم ثم يتأقلموا مع الحاكم الجديد، ليس هذا فقط ولكنهم يعملون بمبدأ "الناس على دين ملوكهم"، يعني ليس فقط اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي، ولكن أيضا وعشان خاطر عيونه وإثباتا لمحبتي لزوج أمي لا مانع لدي أن أبدل ديني من أجل سواد عيونه، وحتى لا يقلب البيت نكدا على رأس أمي.
قديما كان لدى المصريين القدماء عدة آلهة، وعلى رأسها الاله آمون رع وأخواته وأخوانه من الآلهة حتى جاء الفرعون إخناتون وبدا ديانة الاله الواحد أتون، وبعدها هرول المصريون من عبادة الالهة المتعددة إلى عبادة الإله الواحد آتون، وبالمناسبة كان أخناتون أول من نادى في التاريخ بعبادة الإله الواحد، قبل نزول الأديان السماوية الثلاثة، وبعد وفاة إخناتون (أو مقتله حيث هناك رواية تقول باحتمال اغتياله بمؤامرة من الكهنة لأنه بعبادة الإله الواحد قلت ثرواتهم وغنائمهم)، المهم بعد وفاة إخناتون انقلب الكهنة ورجعوا للآلهة المتعددة مرة أخرى وقاموا بتحطيم معظم آثار إخناتون.
ثم جاء  الرومان إلى مصر بعد ذلك بأكثر من ألفين سنة وجاءت معهم الديانة المسيحية، فتقبلها المصريون بصدر رحب كالعادة وإن خلطوها ببعض الطقوس الفرعونية القديمة، يعني أرضوا الحكام الجدد باتباع ديانتهم ثم أرضوا أنفسهم بالإبقاء على بعض العادات الفرعونية والتي لا تزال موجودة حتى اليوم في مصر مثل الدفن في غرف فوق الأرض مثل الفراعنة والاحتفال باليوم الأربعين بعد دفن أي شخص وخلافه.

وبعد حوالي أكثر من 600 سنة جاء العرب ومعهم دين جديد هو الإسلام، فأهلا بهم وسهلا، وللأسف قال عنهم عمرو بن العاص، وكأنه قرأ التاريخ القديم وقرأ المستقبل أيضا: "أرضها ذهب ونساؤها لعب ورجالها لمن غلب وأهلها تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا"، ولا تعليق لي وخاصة موضوع "نساؤها لعب" لأن هناك احتمالا أن زوجتي سوف تقرأ هذا المقال، ولكن خذ بالك من موضوع "رجالها لمن غلب"!
المهم أن معظم المصريين أصبحوا مسلمين، ولكن الإسلام المصري لم يستطع تخليص المصريين من بعض العادات الفرعونية والمسيحية القبطية القديمة، فالمصريون كلهم أقباط الهوى، وفي بداية دخول الإسلام كان المسلمون المصريون يتبعون المذهب السني، حتى جاء الفاطميون وفجأة انقلب المصريون عن بكرة أبيهم وأصبحوا شيعة، والآثار الشيعية لا تزال موجودة في مصر من أضرحة آل البيت مثل الحسين والسيدة زينب وزين العابدين وغيرهم من الأولياء، ولا تزال تلك الأضرحة موجودة حتى اليوم رغم أنها ضد كل المذاهب السنية،
وبنى الفاطميون في مصر أجمل المساجد والآثار الإسلامية والتي لا تزال تراها حتى اليوم في المنطقة المسماه بالقاهرة الفاطمية، وكل الآثار الفاطمية تأثرت بالعمارة القبطية أيضا، وبنى الفاطميون أيضا الأزهر - نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي انتسب إليها الحكم الفاطمي - وأصبح الأزهر الفاطمي الشيعي رمز الإسلام المصري السني!
ويعد نهاية حقبة الفاطميين جاء الأيوبيون وحكموا مصر وعاد المصريون مرة أخرى إلى المذهب السني، ولكنهم لم يتخلوا حتى اليوم لحبهم لآل البيت، حتى يقال بأن المصريين سنة رسميا ولكنهم شيعة الهوى، وأيام هوجة ثورة 25 يناير 2011 في مصر وانعدام الامن؛ حاول بعض السلفيين المتطرفين السنيين هدم بعض الأضرحة رمز الشيعة في مصر، فوقف لهم الأهالي ودافعوا عن تلك الأضرحة والتي يتبركون بها طوال الوقت،
وأرجو من الله ألا تجيء إيران يوما وتحتل مصر وإلا رأيت المصريون مرة أخرى يهرولون للمذهب الشيعي.
وحتى في المذاهب السياسية والاقتصادية تجد المصريين شعبا مطاطا مع كل نظام اقتصادي: أيام الملكية كانت مصر تتبع النظام الرأسمالي ولم تكن الدولة تملك أيا من وسائل الإنتاج أو المرافق العامة حتى الكهرباء والمياه، كانت هناك شركات تقوم بهذا، ثم جاء عبدالناصر وقام بتأميم كل شيء حتى محلات الفول والطعمية، ثم جاء السادات ومبارك وحاولوا الرجوع تدريجيا للنظام الرأسمالي، وفشلا لأنهما رقصا على السلم، ولا يزال الجميع في مصر يرقص على السلم الاقتصادي فمصر ليست اشتراكية صرفا، وليست رأسمالية صرفا، وليست بين هذا وذاك، ولكنها ترقص على السلم والشعب المصري سعيد بالرقص وخاصة لو كان على السلم، وبالنسبة للاقتصاد المصري، ولماذا لا يهتم المصريون بفلسفة أو الأيدولوجية الاقتصادية، وذلك لأسباب كثيرة أولها: إن غالبية المصريين لا يعرفون معنى كلمة أيدولوجية ! وثانيها: إن نسبة كبيرة جدا من الاقتصاد المصري هو اقتصاد حر بمعنى أن كل مواطن حر فيما يعمله بشرط ألا يتم القبض عليه، وهذا ما يسمى بالاقتصاد تحت الأرض، حيث إن معظم من يعملون في هذا الاقتصاد الحر لا يدفعون أي ضرائب لأنهم يتعاملون نقدا ولا توجد أية سجلات أو ملفات يمكن الرجوع إليها ضرائبيا.