ديناصورات.. ولكن منزلية

الفنانة التشكيلية المصرية لينا أسامة تتصدى للكورونا باستدعاء الديناصورات المنقرضة.
نعيش واقعًا مشتتًا ما بين أوبئة حديثة أو مستحدثة، وحروب، وتوترات سياسية منذ عام 2010
جمهور اتسع ليشمل قارات العالم كلها وليس فراغ الجاليري فحسب

أشكال مهجنة لديناصورات مؤنسنة تجمع بين الرهبة والحيرة، زواحف عملاقة حائرة حائرة وقبائل بدائية مصورة أمام خلفيات مجردة جزئيًا، محمّلة بنقوش غنية بالدلالات السوسيولوجية عن التأثيرات الثقافية لمشكلة التغير المناخي المتصاعدة مؤخرًا.
"ديناصورات منزلية" عنوان أحدث معرض للفنانة التشكيلية المصرية لينا أسامة، كان مقررًا أن يفتتح بجاليري "أزاد" بالزمالك قبل أسابيع، ولكن الظروف التي تمر بها مصر والعالم بعد تفشي جائحة الكورونا كادت تقضي على الأمل في خروج هذا المشروع الفني الجديد للنور، ولا سيما بعد غلق الجاليريهات والمتاحف كافة، إلى أن رأى الجاليري أن تعرض لوحات المعرض إفتراضيًا بشكل رائع يسمح بالتفاعل بين العمل الفني ومبدعته وجمهوره العريض الذي اتسع ليشمل قارات العالم كلها وليس فراغ الجاليري فحسب.
وفي محاولة لتأصيل فكرة هذا المشروع تشير الفنانة لينا أسامة - ابنة أستاذ التخدير الدكتور أسامة عبدالحي، وزوجة الفنان التشكيلي الدكتور مهني يافود، المدرس بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا في صعيد مصر - إلى إنها بعد متابعة ما حدث في العالم بعد ما لا يزيد على عدة أشهر من قدوم عام 2020 التاريخي الذي تم إعلانه عامًا مقلقًا للغاية فيما يتصل بمستقبل الأرض ومن عليها من بشر وكائنات؛ فعدد حرائق غابات الأمازون زاد بنسبة 30.5 % من 2018 إلى 2019، بينما قفزت نسبة التصحر إلى 85% طبقًا لمعلومات حديثة من هيئة البحث الفضائي في البرازيل. وقد عانت استراليا في أواخر عام 2019 من إحتراق مساحة تزيد على 1000000 هكتار.

بينما نشر مركز المعلومات في إدارة موارد الحرائق الخاص بوكالة ناسا بيانات تشير إلى أن 6902 حريقًا اشتعلت في أنجولا و 3395 حريقًا في الكونغو الديمقراطية. وفى الوقت ذاته ازداد ارتفاع مستوى البحار في العالم بأسرع معدل له  منذ 3000عام! 
وعلى صعيد آخر، أصبحنا نعيش واقعًا مشتتًا ما بين أوبئة حديثة أو مستحدثة، وحروب، وتوترات سياسية منذ عام 2010؛ فقد أعلنت منظمة "هيومانز رايتس واتش" بالاتحاد الأوربي أن نحو 101000 شخص عبروا إلى دول الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2019 وأغلبهم عن طريق البحر.
وهذه اللحظة التاريخية الواقعة فيما بين آمال التغيير، واليأس من تصاعد الأزمات الاجتماعية والبيئية المعقدة، يتم استكشافها من خلال مغامرات الديناصورات التي تعكس قلق مستتر من انقراض جماعي، ومواز له مشاهد لمسيرات مشحونة ملأت التغطيات الإعلامية في أنحاء العالم على مدى عقدين من الزمان.
ولينا أسامة فنانة تشكيليلة، ولدت عام 1986 بالقاهرة، ونالت بكالوريوس الفنون الجميلة في التصوير 2009 ثم حصلت على أربع منح دراسية بأكاديميتي سالزبورج وتراونكيرشن الدوليتين للفنون بالنمسا 2006-2009. 
كما حصلت على جائزة التصوير الأولى من صالون الطلائع من جمعية محبي الفنون الجميلة 2015 وجائزة التصوير من صالون الشباب الـ18، فضلًا عن منحة "مراسم سيوة" من هيئة قصور الثقافة في مصر عام 2009 وقد شاركت في أكثر من 70 معرضا جماعيا منذ 1999 في كل من: مصر والنمسا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا والمغرب، ومنها: "معرض أجندة" بمكتبة الإسكندرية 2018 و"هيومانز" بجاليري ميدإن بإيطاليا 2016 و"صالون ربيع النيل" بفرنسا 2011 و"بينالي بورسعيد" 2009 و"صالون الشباب" في دوراته الـ14، 18، 21، 25، 26 ، 27 وأيضًا أسهمت بلوحاتها في معرض بقاعة جوندتن 422 بالنمسا 2008 فضلًا عن ثلاثة معارض فردية. 

fine arts
بين الرهبة والحيرة

وهي صاحبة فكرة معرض "وحدات الحياة الدولي المتنقل" ومنسقته العامة في دورتيه الأولى والثانية بجاليري النيل، ومركز الجزيرة للفنون بالقاهرة، والمكتب الثقافي المصري بفيينا، و"جاليرى جو أرتس" ببوخاريست 2016-2018، ولها مقتنيات في السفارة المصرية بالنمسا، وجمعية محبي الفنون الجميلة، ووزارة الثقافة المصرية، وأخرى لدى أفراد في مصر والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والنمسا. 
وهي في أعمالها الأحدث تكتشف دلالات الصراع الأبدي بين قوى الخير والشر، وما هو مفقود في خضم هذه المعركة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.
 وتمثل الأجواء السريالية للوحات هذا العداء الشهير بين هذين النوعين من الديناصورات المنقرضة منذ قديم الأزل وهما: "تي ريكس" أكل اللحوم، و"ستاجوسوروس" القوي رغم أنه آكل العشب.
والمشهد الديناصوري الدراماتيكي مصور في لوحاتها، إما كمجموعة من المباني المشهورة، والمناظر في شوارع القاهرة، وهي إحدى أكثر العواصم التاريخية ازدحامًا في العالم. والمنظر يعكس حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والتغيرات العنيفة المتسارعة.
وتذكر لنا الفنانة لينا أسامة أن "تي ريكس" هو بطل العديد من لوحات هذه السلسلة أو المجموعة من لوحاتها المعروضة حاليًا افتراضيًا بالقاهرة من خلال هذا المعرض الذي يتبناه "جاليري"أزاد" بالزمالك.
وهذا الديناصور يظهر هنا ككائن يمزج بين إنسان وديناصور له عين من مصر القديمة. ولذلك فلا يسع المشاهد سوى أن يقع في مشاعر متناقضة تتراوح ما بين التعاطف مع هذا الكائن المتألم، والعداء للرمز التاريخي والبيولوجي للعنف والدمار وهو ديناصور "تي ريكس" غير الرحيم، وهو يشبه الغرائز الإنسانية والضربات القدرية غير المخطط لها. 
وهذه اللوحة التي أعطتها لينا اسم "ترويض تي ريكس"، مستلهمة من لوحات فناني المنمنمات الفارسية في منتصف القرن الرابع عشر، حيث استخدامهم المتكرر للخيل الجامح رمزًا للغريزة أو الرغبات البشرية.
واللوحة متأثرة أيضًا بالمنمنمات الظاهرة في الخلفية المكونة من مبانٍ ورسوم هندسية ذات ألوان ساطعة متناقضة، ونقوش وورود مطبوعة.
وفي لوحة "وقفة بالشموع" تستخدم الفنانة نقوشًا مألوفة للعين في أغلب المنازل المصرية، بألوان ترابية هادئة.
 وفي هذه اللوحة تمثل روح الطبقة المتوسطة المصرية من خلال العناصر التي تملأ منازلها عبر الزمن من نقوش المفارش والستائر وغيرهما.
 وتمزج الفنانة هذه النقوش بمجموعة من البشر التي تبدو في وقفة حداد بالشموع بينما نرى فوق رؤوسهم كائنا مهجنا بين الإنسان والديناصور. وتعكس اللوحة بوضوح أجواءً روحانية تذكر المتفرج بالمشاهد الجنائزية لدى المصرى القديم. 
وهذا الديناصور الحالم طائرًا أعطته الفنانة لونًا ووجهًا مصريًا قديمًا، ويذكرنا وضعه برمز "البا" المهجن من إنسان وطائر ممثلًا الروح البشرية.
ونصل إلى "أول قطرات المطر"؛ اللوحة المستلهمة من انهمار الأمطار الشديدة على استراليا في فبراير/شباط الماضي، والتي أدت إلى إطفاء الحرائق المدمرة التي اجتاحت هذه البلاد منذ أغسطس/آب 2019. فهي تصور لحظة احتفال بقوى الطبيعة؛ الكناغر الراقصة تحت المطر، المناظر التي انتشرت سريعًا من خلال وسائل الإعلام حول العالم. وتبدو في اللوحة نقوش قديمة من استراليا بجانب حرائق مجردة، وسحب وأمطار تحتفي بها الفنانة. 
وفي لوحة "حلم العشرينات"، تحاول الفنانة استكشاف تيمتين مختلفتين ونقاط التماس وأوجه المصادفة بينهما، كما يوضح عنوان اللوحة وأزياء أغلب الأشخاص، فاللوحة تبحث عن الأحلام المشتركة للمجتمع المصري في فترة عشرينيات القرن الماضي، ولكنها أيضًا تحمل بورتريهًا شخصيًا مشتركًا للفنانة وزوجها الفنان الدكتور مهني يافود في العشرينيات من عمرهما ما بين أحلام وإصلاحات اجتماعية وأحلام السفر للخارج.

والمشهدان المتناقضان، تتناثر عناصرهما فوق خلفية من ألوان مشهد حديقة خضراء غنية بموتيفات من مصر القديمة، تبدو وكأنها تحمل الأشخاص المصورين داخل الصورة. ويبدو أن ثلاثة عوالم مختلفة تبني هذه اللوحة الحيوية.
والطبقة التحتية للوحة مزيج من مساحات متداخلة لنقوش مألوفة متعارف عليها كثيرًا من عناصر تزيين المنازل، فضلًا عن ديناصورات من النباتات والزهور.
الشجار الديناصورى المصور بين "تي ريكس" آكل اللحوم الجبار، و"ستاجوسوروس" آكل العشب المدافع عن نفسه الذي يظهر كثيرًا في هذه المجموعة من اللوحات وتمثل الفلسفة التوازنية الأزلية بين أقطاب الحياة المتناقضة.
مجموعة من الأشخاص يحاولون إيصال أصواتهم، مرسومون في خلفية اللوحة باللون الأزرق الذي يشتهر به الفنان العالمي إيفز كلاين كرمز للوجود الفيزيائي البحت لجسد الإنسان.
أما لوحة "طبعة كف"، فتحتوي على اثنين من طبعات الحناء لكفين بأحجام مختلفة، يصل بينهما خط متعرج، ونقشة وردة مطبوعة بلون أبيض زاهٍ على خلفية مجردة تشبه نقوش الكهوف البدائية. وموضوع اللوحة يتمحور حول استمرار الحياة، والطرق العديدة لتوريث كل شيء للأجيال القادمة. 
ونصل إلى "الفيل الأخير في الحديقة"، وتذكرنا الفنانة بأن العام الماضي شهد وفاة آخر فيلة في حديقة الحيوان بالجيزة؛ "نعيمة" التي كانت هي وأقرانها الفيلة في الحديقة يمثلون جزءًا من الذاكرة الجمعية لجيل من القاهريين تنتمي إليه الفنانة ذاتها. والفيلة "نعيمة" مصورة في اللوحة بهيئة ماموث داخل ما يبدو كمزيج من رسوم القصص المرسومة المسلسلة. والخلفية غنية بنقوش مطبوعة على ورق ذهب.
وهذه هي إحدى لوحات السلسلة التي تناقش التغيرات المناخية، والطبيعية وتقلباتها في العالم.
ولعله من الصعب تقديم مائة لوحة للفنانة هي قوام هذا المعرض الخاص الأحدث، أو هذا المشروع الذي يأتي بعد مشروعها السابق للتنقيب في طبقات الشخصية المصرية في واحة سيوه.