عادل عصمت: شخصياتي مطاردة ومسكونة بالخوف

الكاتب المصري يعتبر أن روايته "الوصايا" العمل الأهم والأكبر في نتاجه الأدبي.
"الوصايا" هي العمل الذي ظل يحلم الكاتب بكتابته لثلاثين عاما
في رواية صوت الغراب هناك شخص يعاني الغربة داخل الأسرة

أكد الروائي المصري عادل عصمت حضوره في المشهد الأدبي منذ صدور عمله الأول "هاجس موت" في 1995، بعده توالت رواياته لتبلغ ثمانية آخرها "الوصايا" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وكانت روايته "أيام النوافذ الزرقاء" قد فازت بجائزة الدولة التشجيعية للرواية عام 2011 كما فازت "حكايات يوسف تادرس" في عام 2016  بـجائزة نجيب محفوظ للأدب المقدمة من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وقد التقيناه بعد صدور روايته الأحدث.
"الوصايا" التي يعتبرها صاحبها العمل الأهم والأكبر في نتاجه الأدبي، وأنها العمل الذي ظل يحلم بكتابته لثلاثين عاما، رواية أجيال تتابع مصير عائلة تنتمي للريف في دلتا النيل، وهي المنطقة الأثيرة لدى الكاتب، فغاص في تاريخ المكان بتوالي أجيال العائلة منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى بدايات القرن الجديد، ويلاحظ القارىء أن الوصايا العشر التي تقدمها فصول الرواية تبين كلها عن نزوع صوفي، مثل "خلاصك في مشقتك، وتحمّل الألم، وآخرها أعظم الفضائل في التخلّي" وكلها قيم نجدها كثيرة في ثنايا أعمال عادل عصمت، لذا كان السؤال عن الموصي وهل هو الجد أم الكاتب؟، فيجيب الروائي من خلال ابتسامته الهادئة: "طبعا الجد، فالقيم التي يؤمن بها الجد وينقلها لحفيده الذي يبدو أنه لم يتمكنها، لا هو ولا الكاتب".

يوسف تادرس عندما سافر إلى الإسكندرية ليدرس في كلية الفنون الجميلة ووقف في محطة سيدي جابر يشعر بنفسه صغيرا في وسط الميدان الذي بدا له مهولا، ويقارن بعد ذلك بين الزقاق الذي تربى فيه وبين شعوره بالضياع في هذا المحيط المهول

وعن حرصه على تقديم رواية أجيال وهو يرصد تحلل العلاقات العائلية وتقطع الأواصر فيما بينها، يقول الروائي: "لأن هذا هو الحال في ذلك النوع من الروايات. تذكّر الثلاثية وغيرها من الروايات التي ترصد العلاقات الاجتماعية داخل المحيط العائلي ستجدها سمة أساسية، هناك رواية من أعمال نجيب المحفوظ المتأخرة بعنوان "الباقي من الزمن ساعة" ترصد نفس العلاقات وتصل تقريبا إلى حالة مشابهة، هذا النوع من الروايات يقوم على تأمل في الكيفية التي سارت بها الأمور وتحولت سواء إلى الانهيار أم إلى البناء، هذا شأن الروايات التي ترصد الأجيال، حركة الحياة تُفكك وتبني بنفس القدر وهي وإن كانت تحلل علاقات قديمة فإنها تنشيء علاقات جديدة، وهو موضوع مثير ويستحق الجهد".
أيضا الجد كان يعرف أن عائلته ستنتهي، ومع ذلك يحرص على تقديم وصاياه للحفيد فما جدواها، يقول عادل عصمت "الناس تعيش الحياة وهي متأكدة من أنها ستموت، لم يقولوا ما جدوى أن نكنز الثروات أو ننشئ البيوت أو نصارع من أجل حياتنا ما دمنا سنموت. الناس تعيش حالة من وهم الخلود كأنهم سوف يعيشون في أولادهم ما لم يعيشوه على نحو فعلي. هذا شأن الحياة. الجد يعطي وصاياه للحفيد، الذي كان يعده أن يعيش حياة أخرى، ليست حياة الفلاحين، فربما نفعته في يوم من الأيام، وهو تقليد قديم، نجده في العصور القديمة وأظن ساريا حتى أيامنا هذه".
الخوف والزمن
شخصيات عادل عصمت دائما مطاردة ومسكونة بالخوف، هي أيضا تكابد الحنين، فهل الخوف في الحاضر يدفعها إلى الحنين أم أن الحنين نفسه وهم؟ يجيب الكاتب "لست متأكدا من ملحوظتك، لكن ملمح الخوف كان الملمح الأساسي لشخصية يوسف تادرس باعتباره شخصية قبطية في مجتمع مسلم، إن مخاوفه منطقية، فبالإضافة لخوفه من الفناء الذي ترسب في أعماقه بعدما تعرض لحادثة السيارة وهو صغير، هناك التربص والعداء الذي يشعر به سائلا في الفضاء، إنه نوع سري من التهديد يحدثه الإحساس بأنك أقلية في مجمتع غير مرحب بك، أما عن الحنين فإن الإنسان يشعر بالحنين إلى الماضي أو إلى الوطن عندما يكون مغتربا، ربما يشعرون بالحنين كنتيجة لحسهم بالاغتراب".
أخيرا وقد أوصلتنا ليوسف تادرس، نتذكر مقولة "الوجه مثل الزمن دائم التبدل"، وهي الحكمة التي استخلصها من عمله كرسام بورتريهات، أما يوجد احتمال أن يكون هو من يتغير ويسقط تغيره على ما يرسم من وجوه؟ 
يقول الروائي: ”لم تكن حكمة استخلصها يوسف تادرس بل تسجيلا لحقيقة يعاينها، فكل شيء في حالة تبدل، من يصور ومن يتصور، الوجوه في حالة تبدل وكذلك المشاعر، والعلاقات وكل شيء، مشكلة التغير أننا لا نرى غير التغيرات السريعة أما التغيرات التي تستغرق زمنا طويلا فلا نشهدها ونستخلص فكرة الثبات منها".

The Egyptian novel
الوجه مثل الزمن دائم التبدل

حكايات صغيرة
يميل عادل عصمت لتشظية السرد في حكايات صغيرة تبدو كجزر متراصة في بحر السرد أو كجزيئات فسيفساء سردية، عن ذلك يقول: أفضل تلك الطريقة في الكتابة فالحدث الكبير هو عبارة عن مجموعة من التفاصيل الصغيرة. مثلا قد تبدو قصة سامي آكل الزجاج في رواية "أيام النوافذ الزرقاء" ذات رابط هش مع المجرى الرئيسي للأحداث ولكن لو حذفتها لفقدت الرواية أثرها، إنها مهمة لبناء مناخ فترة نهاية الستينيات. لكن يجب أن يضع الكاتب الحدث الرئيسي في ذهنه طول الوقت وأن يحافظ على أن يعمل الحدث الرئيسي كأفق تنعكس عليه الحوادث الفرعية. وفي النهاية أنك لا تكتب قصة مسلسلة أو متكاملة وحسب بل أيضا تبني أثرا، انطباعا، مناخا، وهو أمر بالنسبة لي في أهمية بناء القصة.
يبدو التشظي في الشكل أيضا كمظهر لتشظي العلاقات بين شخوص الروايات حيث يضيع الفرد وتتمزق أواصر القربي. يقول الكاتب "من المنطقي أن يكون الضياع والشعور بالوحدة والاغتراب نتيجة لتمزق روابط القربى، ربما الخروج من الحصن الآمن إلى حياة واسعة ليست فيها غير نقطة صغيرة بلا روابط تعضدك هو السبب في تلك الحالة التي تسميها الضياع.
أتذكر مشهدا حدث ليوسف تادرس عندما سافر إلى الإسكندرية ليدرس في كلية الفنون الجميلة ووقف في محطة سيدي جابر يشعر بنفسه صغيرا في وسط الميدان الذي بدا له مهولا، ويقارن بعد ذلك بين الزقاق الذي تربى فيه وبين شعوره بالضياع في هذا المحيط المهول، لكن الأمر لا يتوقف على الخروج من الأواصر العائلية ففي رواية صوت الغراب هناك شخص يعاني الغربة داخل الأسرة، داخل العلاقات التي أنتجته، أظنه سؤال صعب. (وكالة الصحافة العربية)