عدنان الأحمد والإنسان حين يكون فعل بناء لا فعل عواء

لو لم يكن عدنان الأحمد عاشقاً للفن إلى حد الجنون، لو لم يكن مسكوناً بالفن وضاجاً به، لما استطاع أن يحقق كل هذا الإنجاز الممتد كقوس قزح ما بين حلب وإسطنبول. 
الفنان السوري أطلق مبادرة الكلمات كصالة عرض في حلب عام 2002
عدنان الأحمد والكلمات في ترحال لا حول لهما فيه ولا قوة من حلب إلى اسطنبول

عدنان الأحمد والكلمات في ترحال لا حول لهما فيه ولا قوة من حلب إلى اسطنبول، من حلب فتحي محمد قباوة (1907-1958)، ووحيد استانبولي (1940-1994)، ولؤي كيالي (1934-1978)، وفاتح المدرس (1922-1999)، وعنايت عطار(1948) إلى اسطنبول عابدين دينو (1913-1993) والخوجة علي رضا (1858-1930) وجلال أسعد (1875-1971) وبرهان دوغانجاي (1929-2013) وشوكت داغ (1876-1945) وجواد درلي (1900-1990)، في ترحال لم يحمل فيه عدنان الأحمد غير حلمه الجميل مع كلماته وزاده وكنوزه من تلك الأعمال التي يقتنيها لأسماء معروفة وأسماء هو قدمها للشارع التشكيلي، فكان ترحالاً شاقاً جداً ومتعباً جداً، ترحالاً كان مرغماً على السير فيه وخوض غباره ورياحه العاتية، بل والسير على أشواكه حافياً، الترحال الذي سيحمله لاحقاً إلى مدى المستحيل والتحدي، وينجح في تحقيقها رغم الأوجاع المرافقة والناخرة حتى للروح.
لو لم يكن عدنان الأحمد عاشقاً للفن إلى حد الجنون، لو لم يكن مسكوناً بالفن وضاجاً به، لما استطاع أن يحقق كل هذا الإنجاز الممتد كقوس قزح ما بين حلب وإسطنبول، هذا القوس الذي يعجز على خلقه ورسمه منظمات وجمعيات ومؤسسات بكل إمكانياتها وكوادرها، أن يقوم شخص واحد بمفرده مع عدد قليل من أفراد عائلته بكل هذا الفعل ويحصد هذا النجاح وبإمكانيات ذاتية لا تكاد تسد رمق عدد من العصافير في حرم تكية ما، لربي هذا بحد ذاته معجزة وخلق للمستحيل وتجسيمه وبعث الروح فيه وهو يقفز بين الأعمال التي تزين جدران روحه وكلماته .

عدنان الأحمد حين أطلق مبادرة الكلمات كصالة عرض في حلب عام 2002 ثم كدار عرض ونشر، كان يدرك بأن الأفق الذي يمشي إليه لن يكون مفتوحاً بالشكل الذي يحلم به، فالطريق إليه سيكون غير سالك بسهولة بسبب تراكم الصعوبات والمطبات، كان يدرك بأن مهامه ستكون كثيرة ومسؤولياته ستكون كبيرة جداً، فكانت اللبنة الأولى نحو مشروع جمالي، مشروع يقول بأن الإنسان فيه فعل بناء لا فعل عواء، فعل حب لا فعل حرب، وبأن الحياة حين تنبض بالفن تستحق أن تعاش، وحده الفن القادر على الديمومة وبالطريقة التي يرغبه وكأنه يردد مقولة القباني: "كل الدروب أمامنا مسدودة، وخلاصنا في الرسم والكلمات". 
كما أنه أطلق مشاريع فرعية تكون الرافد لمشروعه الأهم فكان أمام / رؤية تشكيلية شابة / قد يكون السباق في طرحها، فقدم من خلالها أسماء راهن عليها ونجح في الرهان إلى حد بعيد كفاروق محمد وآزاد حمي وجوان يوسف وإيمان حاصباني .... وآخرين، ورغم انفتاحه نحو مشاريع أخرى كبيرة إلا أن ذلك المشروع بقي مرافقاً له في ترحاله وفي كل خطواته، وإن بات الآن مشروعه الأهم لا خلق جسور بين حلب وإسطنبول، ولا بين الشرق والغرب فحسب، بل العمل كخلية نحل لجعل الفن لغة الإنفتاح على الآخر، ولغة لكل قنوات التواصل بين الإنسان مهما كان لونه وهمه وأرضه، ومهما كان إيقاع نبضه، لغة الخلاص، فهذه اللغة بوصفها الأكثر تعبيراً والأكثر مقدرة في كسر الحواجز وتبايناتها، هي اللغة التي أرادها الأحمد في كتابة رسالته في هذه الحياة.
وها هو يصفق بيد واحدة في إسطنبول، فبعد النجاح في إعادة الروح لغاليري الكلمات للفن التشكيلي والذي بدأ بمشروع المحترف السوري تحت عنوان "رحلة عبر الزمان والمكان" وكان عبارة عن معرض كبير ضم أكثر من مئة عمل تشكيلي سوري يمتد من ستينيات القرن الماضي وإلى الآن، ومن خلال رؤية تشكيلية سورية ليصل حالياً إلى إطلاق معرض محترفات عربية بالتعاون مع مجموعة أزاميل العراقية كمدخل جديد نحو الحداثة الجمالية، يضم مشاركات لأكثر من خمسين اسماً، هم عناوين لفن تشكيلي معاصر، كمحمد العامري ونزار صابور وإبراهيم بريمو وعزيز أزغاي وخزيمة العابد ووضاح مهدي وآخرين، وهم من بلدان مختلفة، من سوريا، الأردن، السودان، مصر، ليبيا، البحرين، سلطنة عمان، السعودية، تونس، فلسطين، الجزائر، العراق. 

إستطاع الأحمد أن يجمعهم في المحترف العربي الأول في إسطنبول كشكل من أشكال تنشيط الدائرة التشكيلية المعاصرة على أمل توسيع هذه الدائرة للمحترف ليعرض لاحقاً في أكثر من عاصمة عربية، وهل من إنجاز يفوق هذا الإنجاز وعلى يد رجل يصفق بيد واحدة وبصوت عال كاسراً قاعدة اليد الواحدة لا تصفق. عدنان الأحمد، الذي بات شهيقه وزفيره الفن، دون أن يكلف أحدا ما نفسه كيد ثانية تصفق معه، وتزيد تصفيقه تصفيقاً .
لا حدود لحلم عدنان أحمد، فإذا نجح إلى حد كبير في كل مشروع يطلقه من بناء جسور التعاون بين الفنانيين السوريين والفنانيين الأتراك، إلى إحياء رؤية تشكيلية شابة، إلى إطلاق المحترف العربي الأول، فهو يسير برحلته الحاملة لحلمه نحو محترفات عربية في أكثر من بلد عربي، وليس آخراً نحو إنشاء متحف يضم كل تفاصيل هذا الحلم ونبضه .