فاروق حسني يتوج إنجازاته الثقافية بالمتحف المصري الكبير

الفنان المصري يفتح ملفات الثقافة المصرية على امتداد ربع قرن في رحاب مركز الشيخ إبراهيم بالبحرين.
فاروق حسني يتحدث عن تجربته الفريدة التي خرجت عن دار نهضة مصر في كتاب بعنوان "زمنًا في الثقافة"
الشيخة مي تتوقف عند مكانة هذا الفنان السكندري الأصل في المركز الذي قدّم فيه من قبل محاضرة عام 2006

أول رحلة عمل قام بها الفنان التشكيلي البارز فاروق حسني، وزير الثقافة المصري الأسبق، بعد تدشين مؤسسته للثقافة والفنون بالقاهرة، كانت إلى  للعاصمة البحرينية تلبية لدعوة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بالمحرق ليستهل موسمه الثقافي التاسع عشر الذي بدأ الإثنين الماضي 7 أكتوبر/ تشرين أول، وكان اللقاء وسط حضور رسمي ودبلوماسي وجمهورٍ ملأ القاعة.
في البداية رحّبت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بالضيوف متمنية لهم الاستمتاع بموسم غني، معربةً عن سعادتها لاستضافة وزير الثقافة المصري الذي تعدّت شهرته حدود العالم العربي لما له من إنجازات ثقافيّة في مجالات مختلفة، سواء أكانت تربويّة أم متعلّقة بالمتاحف والآثار والحراك الثقافي المصري والعربي. كما توقّفت الشيخة مي عند مكانة هذا الفنان السكندري الأصل في المركز الذي قدّم فيه من قبل محاضرة عام 2006، متمنيةً له مزيداً من التألق بعد تدشين مؤسسته الثقافية، والتوفيق في حياته الفنية والعامة.
وتم عرض فيلم لخّص سيرة حياة فاروق حسني؛ الفنان والسياسي وصاحب السياسات الثقافية على امتداد أكثر من ربع قرن من الزمان.
 وبعد ذلك تحدث فاروق حسني عن تجربته الفريدة التي خرجت عن دار نهضة مصر في كتاب بعنوان "زمنًا في الثقافة"، منذ عمله في الثقافة الجماهيرية من خلال إداؤة قصر ثقافة الأنفوشي، ثم مسؤولياته الأولى في المركز الثقافي المصري في باريس، وعودته إلى القاهرة قبل تعيينه في العاصمة الإيطالية روما نائبًا لمدير الأكاديمية المصرية للفنون هناك، ثم مديرًا لها، حيث قام بالترويج لثقافة بلده، واستضاف الكثير من الفنانين التشكيليين والكتاب الكبار مثل: حامد ندا، ومنير كنعان، ويوسف فرنسيس، وسمير سرحان، ومحمد جلال، ومدرسة الخط العربي بالإسكندرية، ليعرضوا أعمالهم الفنية في إيطاليا ويتعرفوا على ما يحدث في عاصمة الفن في العالم.
وكذلك اعتنى بالمبدعين الشباب الذين أتيحت لهم فرصة دراسة الفن في أكاديميات إيطاليا ومعاهدها المختلفة.
وتوقّف فاروق حسني عند أهم مشاريعه كوزير للثقافة المصرية فيما بين عامي: 1987 و2011 ذاكراً أهم المتاحف والمسارح والفرق والتظاهرات الفنية التي أسهم في إنشائها، وأشار إلى بعض الصعوبات التي واجهته، وكيف أمكنه تخطّيها ضمن سياسته الثقافية التي عُرف بها والتي أسهمت في نجاح عدد من المشروعات والإنجازات الثقافية في مصر.
 كما عددّ إنجازات الثقافة في عهده ومنها: مشروعات تطوير القاهرة الإسلامية وشارع المعزّ التاريخي، وتطوير متحف الفن الإسلامي، وإنشاء مبنى دار الأوبرا الجديدة، ومركز الهناجر للفنون، وصندوق التنمية الثقافية، والمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة والمتحف المصري الكبير، والمبنى الجديد لدار الكتب والوثائق القومية، وغيرها من الإنجازات التي يفخر بها المواطن المصري، بل والمواطن العربي.
وبما أن الفنان فاروق حسني تطرَّق في محاضرته إلى المتحف المصري الكبير الذي تستعد مصر لافتتاحه خلال العام 2020 فإنني استحضر على الفور ما سبق أن صرح به للزميلة داليا عاصم في الحوار التاريخي الذي كلفتها بإجرائه معه، ونشرته في واحدة من المجلات الثقافية الفصلية، وفيه روى قصته مع المتحف الكبير عندما قال: 
راودتني فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير وأنا في باريس، بينما كنت أتناول الغداء مع رئيس معهد العالم العربي، وكان لنا صديق معماري إيطالي يدعى فرانكو أريالتشي، كان يمتلك أكبر دار نشر إيطالية. وكان يتحدث باستهزاء عن المتحف المصري بميدان التحرير، فأحسست أنه جرحني بحديثه عنه باعتباره مجرد مخزن للآثار، فقلت له:

ألا تعلم أننا بصدد تشييد أكبر متحف في العالم؟
 فاندهش وسألني:
 أين؟
 فأجبته:
 بجوار الإهرامات، كل هذا وأنا لا توجد لديّ أية خطة لتنفيذ هذه الفكرة وليدة اللحظة. وما لفتني هو أنني وجدته متحمسًا جدًّا، بل وطلب مني أن أدعوه لزيارة مصر ليرى موقع هذا المتحف، وقال: يمكنني جلب تمويل من صديقي أندريوتي، رئيس وزراء إيطاليا. وبالفعل جاء إلى مصر، ولم أكن قد حددت موقع المتحف بعد على أرض الواقع، فذهبت معه إلى منطقة الإهرامات، وقلت له: ها هي الأرض، على الرغم من أنني لم أكن أعلم هل ستكون مناسبة لتشييد المتحف أم لا!
لكني كنت أرى الموقع ساحرًا.
وحينما طلبت من الرئيس الأسبق حسني مبارك بناء متحف، رفض لكونه مشروعًا ضخمًا ويحتاج لأموال طائلة، فقلت له:
المشروع العملاق يجد تمويلًا.. لكن الصغير لا يجد.
فاقتنع، وبمجرد الإعلان عن المشروع، قدمت اليابان قرضًا ميسَّرًا جدًّا بقيمة 300 مليون دولار أميركي، وقمنا بأكبر ممارسة معمارية في العالم بين 1750 مكتبًا استشاريًّا، وتم عمل دراسة جدوى للمكان استمرت 4 سنوات وتكلفت 4 ملايين دولار، دفعت إيطاليا تكاليفها.
وبدأنا العمل فيه، لكن حلمي باكتماله لم يتوقف إلى اليوم، وأظن أنه سيخرج كما أردته.
والآن أصبح المتحف يضم أكبر مخازن للآثار في العالم، وأهم معامل الترميم. مبناه ضخم جدًّا، واجهته وحدها بطول 800 متر، وبارتفاع 45 مترًا، وقد صممه معماري أيرلندي من أصل صيني. والحقيقة أن المتاحف تضفي على المدن قيمة وتمنحها سمتها وخصوصيتها، وتظل قيمة مستمرة تحفظ التاريخ للأجيال المتعاقبة، وأنا أعتبرها جامعات وربما أكثر. وقد توليت الوزارة وكان في مصر كلها خمسة متاحف فقط! أما اليوم فهناك 42 متحف آثار فقط، فضلًا عن متحف الحضارة، والمتحف الكبير، والمتاحف الفنية والتاريخية ليصل العدد إلى نحو 80 متحفًا. 
ومصر بها إمكانات ضخمة، لكنها لا تُستغل بالشكل المثالي، والأهرامات هي بوصلة الزمن، ويوم طلبت من الفنان العالمي ميشيل جار أن يُخرج حفل استقبال العام بالألفية الثالثة، لمست مدى حماسه لمخاطبة العالم في لحظة فاصلة من تاريخ البشرية، من هنا من تحت سفح الإهرامات، وبالفعل كان حفلًا رائعًا أُذيع على الفضائيات في العالم كله، كل ذلك كان يخدم السياحة، وبالتالي يُموِّل المشروعات والمهرجانات الثقافية.