في صمت شديد يرحل الناقد والمترجم حسين عيد

احتجاب حسين عيد في سنواته الأخيرة كان عن قصد منه حتى لا يثير شفقة أحد عليه، وإن كان عدد قليل جدًا من أصدقائه المقربين هم الذين ظلوا متواصلين معه.
كتاب "الرواية في أفريقيا" يعد نصًا فريدًا حيث يقدمه مؤلفه من خلال شكل قصصي ممتع رؤية نقدية جديدة
في كتابه "سحر الإبداع: مع كتاب عرب وأجانب"، يتناول حسين عيد عملية الإبداع بشكل تطبيقي عند 19 كاتبًا 

محاطًا بصمت شديد، ودَّع الحياة قبل أيام في القاهرة الأديب والناقد والمترجم المصري الكبير حسين عيد، بعد تعرضه لأزمة صحية في سنواته الأخيرة، أدت إلى احتجابه عن الساحة الإبداعية في مصر، بل وفي العالم العربي الذي كان نجم محافله ومجلاته الثقافية الكبرى على مدى نحو ثلاثين عامًا أو يريد.
وكان هذا الاحتجاب عن قصد منه حتى لا يثير شفقة أحد عليه، وإن كان عدد قليل جدًا من أصدقائه المقربين هم الذين ظلوا متواصلين معه، ثم مع ابنته لمياء، للاطمئنان على حالته الصحية، إلى أن تلقى أحدهم منها رسالة واتساب قبل عدة أيام، أبلغته فيها بنبأ وفاة والدها، ودفنه في مقابر الأسرة بالقاهرة، سائلة إياه الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
والحقيقة أن حسين عيد، كان من الشخصيات النبيلة في حياتنا الثقافية، وقد صبَّ كل اهتمامه على الكتابة الإبداعية، والنقد التطبيقي، فتناول قلمه النقدي النزيه أعمال عدد من أهم المبدعين في المشرق والمغرب العربيين، يمكن أن نذكر من بينهم من خص عوالمهم الإبداعية بكتب كاملة مثل: نجيب محفوظ، وفتحي غانم، وبهاء طاهر، ويوسف إدريس، وصبري موسى، ويحيى يخلف. فضلًا عن مئات المبدعين الذين تناول أعمالهم بالنقد والتحليل في صحف ومجلات عربية مرموقة.
هذا بالإضافة إلى اهتمامه بنقل عدد من كتب السير الذاتية للمبدعين العالميين، وتلك الكتب التي تنصب على تقديم خلاصة تجارب مبدعي العالم الكبار في لحظة الإبداع، ومنها كتابه الشهير "سحر الإبداع: مع كتاب عرب وأجانب"، وكتابه "الرواية في أفريقيا" لـ كويتزي الحائز على جائزة نوبل.

حسين عيد أثبت في "سيرته شبه الذاتية" أن لديه عددًا من مخطوطات كتب جاهزة للنشر؛ منها: كتاب "قضايا عربية شائكة في الكتابة والنشر"، الذي يعرض فيه بجرأة وأمانة لبعض قضايا الكتابة والنشر الشائكة في واقعنا العربي المعاصر

وهو في "سحر الإبداع: مع كتاب عرب وأجانب"، يتناول عملية الإبداع بشكل تطبيقي عند تسعة عشر كاتبًا من مصر والعالم العربي ومن الأجانب أيضًا، ويتضح منها أن منطق الضرورة هو الذي يحكم عملية الإبداع، حين كان أولئك الكتاب مدفوعين بفعل قوى داخلية وخارجية لا مهرب منها، إلا بالإبداع.
أما كتاب "الرواية في أفريقيا" فيعد نصًا فريدًا حيث يقدم مؤلفه من خلال شكل قصصي ممتع رؤية نقدية جديدة. ولطالما أكد لي حسين عيد أنه يعمل دون أن يعير كبير اهتمام لعملية النشر، لأن المهم، من وجهة نظره، هو أن يعمل، وسيأتي النشر تاليًا لذلك.
وعندما طلبت منه أن يعلق على سر اتساع رقعة إنتاجه بين إبداع ونقد وترجمة أجابني: بدأت فعلا بدائرة الإبداع، فكنت قاصًا وروائيًا ثم دخلت دائرة النقد من باب تعميق الإبداع، فوجدت نفسي في النقد، فأبحرت في مياهه الصاخبة مستمتعًا. وكان منطقيًا أن أدخل دائرة الترجمة، وذلك لسابق اهتمامي وشغفي الشديد بالقصة والرواية العالمية.
وهذه الدوائر الثلاث تتكامل مشكّلة معًا عالمي الخاص. ولعل الفيصل في الأمر ليس تنوع الإنتاج، بل أن يكون لدي باستمرار جديد أضيفه. وعن مشروعاته التي اكتملت ولكنها كانت تبحث عن ناشر قال: لدي عدد من الكتب النقدية الجاهزة للنشر، إضافة إلى عدد من الكتب المترجمة، ومجموعتا قصص قصيرة.
وفي تقديمه لكتابه الأثير "سحر الإبداع"، قال: "تجربة الكتابة.. قد يعتبرها البعض (الغموض) بعينه، أو هي (الكنز)، الذي لا يعرف أحد كنه (أسراره)، بينما يمتلك بعض الأفراد (القدرة) على فكّ طلاسمه، والنهل من معينه! قد يقول عنها بعض الكتّاب: "ما أصعبها تجربة، وما أشقّ ما تستنفد من جهد. قد نقع في حبائلها دون رغبة، مدفوعين بقوي غريبة، تحضّنا على الاستمرار لاهثين سعيًا لاكتشاف المجهول من أنفسنا ومن العالم من حولنا".
وقد يقول عنها عدد من القراء: "ما أشد ما تثيره من (فضول)، وما أعمق ما تفجّره من (أسئلة) حول (أسرار) العلاقة بين الكاتب وما يكتب، بين (الشخصي) و(المكتوب)، بين (تكوين) الكاتب و(الناتج) الأدبي، وبين حدود (عالمه) الداخلي و(الواقع) الخارجي!"
وقد جاء هذا الكتاب نتاجًا طبيعيًا لرحلة (اطلاع) طويلة على الآداب العربية والعالمية، وعبر ممارسات (نقدية) تجاوزت ربع قرن من الزمن، تناولت فيها أعمال عشرات من الكتاب المصريين والعرب والأجانب، وضح أن (تجربة الكتابة) تشغل تيارًا رئيسًا متغلغلًا بينها.
والكتاب يطمح، إلى إلقاء بعض الضوء على تجربة الكتابة، بأسلوب (تطبيقي)، بمعنى الاعتماد أساسًا على تحليل (أعمال أدبية) معينة من قصة ورواية ومسرحية، وبالرجوع إلى بعض كتب السيرة الذاتية أو حوارات للكتّاب، لربط تلك الأعمال بحياة الكاتب، وواقعه الذي يعيش فيه، وذلك في محاولة لاستنباط بعض من آليات عملية الكتابة.
ومن هذا المنطلق، كان منطقيًا أن يعرض (مدخل) الكتاب (رؤية) كاتب أورجواي الكبير هوراسيوا كيروجا (1989-1937) في إحدى قصصه القصيرة لعملية الكتابة بين الحضور والغياب، أو بين الواقع والإبداع. 

The departure of writers
"أسباب الكتابة

 كما جرى تقسيم الكتاب إلى ستّة أبواب؛ عرض الباب الأول منها - وعنوانه "أسباب الكتابة" - لخمسة أنواع من الكتابة، وعرض الباب الثاني المعنون بـ "ظروف نشأة" خمسة كتاب وتأثير تلك الظروف علي إبداعهم. وقدّم الباب الثالث "تحولات" طرأت علي حياة وإبداع خمسة كتاب آخرين.
 وأوضح الباب الرابع "مواجهات" ما اعترض حياة خمسة كتاب من صعاب وكيف تغلبوا عليها بالكتابة. وبيَّن الباب الخامس "تدخلات" خمسة كتاب في مسار عملية الإبداع. وتناول الباب السادس "اغتراب" خمسة كتاب، تأرجحت رواياتهم بين اغتراب فعلي، ومعنوي. وكان الباب السابع والأخير حول تجارب "توقف" خمسة كتاب عن الابداع!
وتوزّعت أساليب التناول في الكتاب بين ثلاثة أساليب، جرى في الأول الاعتماد على بعض كتب السيرة الذاتية، أو حوارات بعض الكتاب، بغرض تحليل (ظروف نشأة) كل منهم لاستشفاف العناصر التي ساعدت على بزوغ الإبداع، أو التعرف على إشكالية توقف بعض الكتاب عن الإبداع (باب توقف).
ومن ناحية أخري، تمّ الاعتماد على تحليل نص أدبي بعينه وذلك بغرض التعرّف على المحفزات في (باب: أسباب الكتابة)، أو بهدف اكتشاف مواطن تميّزه في (باب: مواجهات) أو التوقف أمام بعض جوانب قصوره في (باب: تدخلات)، أو تلمّس بعض مواطن الجنوح في (باب: اغتراب).
أما الأسلوب الثالث، فجري اللجوء فيه إلى المزاوجة بين الأسلوبين السابقين، بتحليل نص معين مع ربطه بحياة الكاتب، وذلك في (باب: تحولات). 
ويشير حسين عيد في سيرته التي وصفها بأنها "سيرة شبه ذاتية" إلى أنه على الرغم من مؤهلاته الدراسية التجارية، وحصوله على بكالوريوس التجارة، ودبلومتي الدراسات العليا في: "الإحصاء"، و"المحاسبة" أيضًا وعمله في "شركة الفنادق المصرية" سنوات طويلة، إلا أن توجهه الأساسي في حياته كان أدبيًا، وقد توزع على مجالات: النقد (16 كتابًا)، والترجمة (10 كتب)، والرواية (5 روايات)، بالإضافة إلى ثلاث مجموعات قصص قصيرة.
وقد قام بتحرير سيرته شبه الذاتية تلك في العام 2012، وهو العام ذاته الذي صدر فيه كتابه "تجربة الابداع.. مع كتاب عرب وأجانب" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي طمح من خلاله إلى إلقاء الضوء على جوانب من تجربة الابداع لدى 35 كاتبًا من مختلف بلدان العالم.
وقد أثبت في "سيرته شبه الذاتية" أن لديه عددًا من مخطوطات كتب جاهزة للنشر؛ منها: كتاب "قضايا عربية شائكة في الكتابة والنشر"، الذي يعرض فيه بجرأة وأمانة لبعض قضايا الكتابة والنشر الشائكة في واقعنا العربي المعاصر.
وكذلك كتاب "الأدب ومقاومة الطغيان: نماذج من الأدب العربي والعالمي" الذي كنت قد نشرت له فصلًا منه عام 2011 في أحد أعداد جريدة "أخبار الأدب" وقت رئاستي لتحريرها.