ماجد عزت إسرائيل يتقصَّى تاريخ أقباط القدس ومشكلة دير السلطان

الكتاب عبارة عن سلسلة من المحاضرات التي قدمها إسرائيل في أماكن متعـددة ما بين عامي 2010-2018.
المؤلف خصص الفصل الثالث من الكتاب لدراسة الجذور التاريخية للجالية القبطية في مدينة القدس من حيث توضيح أصل الأقباط
الاحتلال لا يمثل شرعية تسمح لأصحابه بالتصرف خارج التاريخ والعقيدة

تعود فكرة تأليف كتاب "أقباط القدس.. ومشكلة دير السلطان" الصادر هذا الأسبوع عن دار غراب بالقاهرة، إلى سلسلة من المحاضرات التي ألقاها مؤلفه الدكتور ماجد عزت إسرائيل، المقيم في مدينة بوخوم بألمانيا، في أماكن متعـددة ما بين عامي (2010-2018) منها؛ محاضرة في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2010، بعنوان "أضواء جديدة على مشكلة دير السلطان بين مصر وإسرائيل"، وفي يناير/كانون الثاني عام 2012 ألقى محاضرة بكنيسة السيدة العذراء بدوسلدورف بألمانيا، وكان عنوانها "الكنيسة القبطية ونشأة الكرسي الأورشليمي في القدس"، وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، ألقى محاضرة بجامعة بوخوم الألمانية بعنوان "أملاك الكنيسة القبطية بمدينة القدس"، وفي 6 إبريل/نيسان 2018، ألقى محاضرة بكنيسة السيدة العذراء والأنبا أثناثيوس الرسولي بمدينة بيتبرج الألمانية؛ وكان عنوانها "مدينة القدس أيام الســيد المسيح" بالإضافة إلى العديد من الأحاديث التلفزيونية والمقالات بالجرائد والمجلات التي تناولت دير السلطان في مدينة القدس.
ويشير الكتاب إلى أن معظم الدراسات العلمية في هذا المجال اهتمت بتاريخ مدينة القدس وأسوارها وصمودها وأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بينما أهمل تاريخ أقباط القدس.. ومشكلة دير السلطان في مدينة القدس إلى حد ما، حيث لا توجد دراسة علمية تعالج الوجود القبطي وتاريخ مشكلة ذلك الدير. ولذلك وقع اختيار المؤلف على "أقباط القدس.. ومشكلة دير السلطان في مدينة القدس" موضوعًا لهذا الكتاب.
 وقد قسم كتابه إلى أربعة فصول وخاتمة.
تناول في الفصل الأول "الملامح الجغرافية والتاريخية لمدينة القدس"، من حيث موقعها ووصفها الطبوغرافي والمعماري وخاصة أسوارها وأبوابها، والمسميات التي أطلقت عليها، ونظرة الشعراء إليها، وكذلك التنظيم الإداري لها، والمجالس البرلمانية التي شهدها تاريخها.
ويفرد الفصل الثاني لـ "تاريخ مدينة القدس" من حيث التطور التاريخي لها،  وتاريخ حكامها وسياستهم عبر العصور، وفتح العرب لمدينة القدس، وتاريخ المدينة زمن الحملات الصليبية، أي ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، وعدد سكانها، والهجرات القديمة التي استقرت بها، مما يكشف عن حضورها التاريخي، وهو ما يؤكد شخصيتها وتفردها.

مصادر الكتاب تنوعت بين الوثائق غير المنشورة الموجودة في العديد من الأرشيفات، والرسائل العلمية الموجودة بمكتبة جامعة القاهرة، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وبعض الدول العربية، وجامعة الرور الألمانية

وقد خصص المؤلف الفصل الثالث من هذا الكتاب لدراسة الجذور التاريخية للجالية القبطية في مدينة القدس من حيث توضيح أصل الأقباط، والجذور التاريخية للجالية القبطية في القدس، والتطور الديموجرافي للجالية القبطية فيها، ورحلات الحج القبطية إلى المدينة، وباباوات الكنيسة القبطية الزائرين لها، ونشأة مطرانية مدينة القدس، وتاريخ مطارنة الكرسي الأورشليمي.
أما الفصل الرابع فيتناول ممتلكات الجالية القبطية في القدس من حيث المؤسسات القبطية الدينية والاجتماعية والثقافية التي يأتي على رأسها الكلية الأنطونية، وكلية الشهيدة دميانة، والممتلكات القبطية التي اغتصبتها الطوائف المسيحية، وكذلك مصادر تمويل ممتلكات الأقباط في المدينة.
ويتناول الفصل الخامس والأخير مشكلة دير السلطان في مدينة القدس، من حيث المسميات التي أطلقت على الدير، وموقعه، وكنيسة الأربع حيوانات غير المتجسدة، وكنيسة الملاك ميخائيل.
ويوضح المؤلف أهمية "دير السلطان" بالنسبة للكنيسة القبطية، ويعرفنا بمشاهير الأقباط الذين سكنوا الدير، وبالجذور التاريخية لمشكلة "دير السلطان" بين الأقباط والإثيوبيين، ودور سلطات الاحتلال البريطاني في مشكلة "دير السلطان"، ومنازعات الدير في القرن العشرين، ودور إسرائيل في المشكلة التي أخذت طريقها إلى المحاكم الإسرائيلية، وردود الفعل المصرية تجاه مشكلة "دير السلطان"، وموقف البابا تواضروس من هذه المشكلة.
وتأتي الخاتمة لتبين تقييمًا شاملًا للنتائج التي تم التوصل إليها، وقد اهتم المؤلف بإرفاق مجموعة من الملاحق التي تتعلق بالموضوع محل الدراسة. 
وقد تنوعت مصادر هذا الكتاب بين الوثائق غير المنشورة الموجودة في العديد من الأرشيفات، والرسائل العلمية الموجودة بمكتبة جامعة القاهرة، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وبعض الدول العربية، وجامعة الرور الألمانية، كما اعتمد المؤلف على مجموعة من المخطوطات الموجودة بدار الكتب المصرية، وفي دير السريان بوادي النطرون. 
كذلك اعتمد على المصادر المنشورة، وكذلك على بعض المراجع العربية والأجنبية والمصرية، بالإضافة إلى العديد من الدوريات.
وفي تقديم قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، لكتاب "أقباط القدس ومشكلة دير السلطان" يؤكد أن لمدينة القدس مكانة دينية كبيرة في قلب كل مسيحي .. فهي المدينة المقدسة التي عاش فيها السيد المسيح، وشهدت أهم الأحداث في حياته. وبها أماكن دينية مقدسة تشمل: الأماكن التي ارتبطت بخدمة السيد المسيح ومعجزاته وآلامه وقيامته وصعوده، وكل شبرٍ من أرضها وَطِئَته قدما السيد المسيح صارت له قدسية خاصة.
وبعد خراب أورشليم سنة  70 بدأ المسيحيون يُعمرون هذه المدينة من جديد، وبُنيت الكنائس فيها، وصارت لها ذكريات مقدسة في قلوب كل المسيحيين، وأصبح لكل كنائس العالم تقريبًا أماكن مقدسة فيها .
والمسلمون أيضًا منذ بداية التاريخ الإسلامي، يخصُّون القدس بقدسية خاصة؛ ففيها
توجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى، وغيرهما من المقدسات الإسلامية .
ومن المؤسف حقًّا أن تكون هذه المدينة المقدسة - التي تحمل اسم مدينة السلام  -مسرحًا لصراعات دامية عبر الأزمنة، وبحسب بعض الإحصاءات فإنها تعرضت للحصار نحو عشرين مرة، ودُمرت تدميرًا شاملًا مرتين، وأُعيد تشييدها نحو ثماني عشرة مرة كما انتقلت من وضع إلى وضع عدة مرات عبر التاريخ.
إن تحقيق السلام - لمدينة السلام - اختيار لا بديل عنه .. والسلام لا يتحقق إلا باحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة، والسلام الحقيقي لن يصبح واقعًا ما لم يتوقف العداء والاعتداء، وأن يتوقف العنف والصراع والتهديد بكل صوره وأشكاله.
وعلى مستوى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فإن قضية القدس وقضية فلسطين كانتا  وما زالتا - حاضرتين في ضميرها منذ البداية، ومنها الجهود التي بذلها ويبذلها الآباء بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومطارنتها وأساقتها، وكذلك أقباط مصر وأقباط القدس، كلٌّ في تخصصه في المحافل الدولية، ومع الهيئات العالمية والمعنية بالأمر.  

The Jerusalem issue
الناشر مع البابا تواضروس

وموقف الكنيسة القبطية الثابت والراسخ في هذه القضية هو الدعوة لإرساء سلامٍ شاملٍ وعادلٍ ودائم، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولكل شعوب المنطقة، بما يحقق التعايش السلمي المشترك .
وعن تاريخ الوجود القبطي بالقدس، فهناك دراسات تُبيِّن أن الأقباط كانوا منذ القرنين الثالث والرابع يقومون بزيارة الأماكن المقدسة بالقدس أفرادًا وجماعات، واستمر تردُّدهم عليها خلال القرنين الخامس والسادس، وأقام بعضهم هناك منذ هذه القرون المبكرة .
وفي القرن الثالث عشر أصبح للأقباط مطران قبطي للكرسي الأورشليمي منذ عهد البابا كيرلس الثالث.
وصدرت دراسات سابقة متعددة عن تاريخ الأقباط بمدينة القدس، وعن دير السلطان الذي يعتبر أرضًا مصرية داخل مدينة القدس، وللدولة المصرية جهود كبيرة في هذا الملف. وتاريخ هذا الدير يوضح وطنية الأقباط ضد الاحتلال بأنواعه كافة على مر العصور، وملكية الدير للأقباط هي حقيقة تؤكدها الوثائق والمستندات والمصادر التاريخية والشواهد الأثرية، ولقد حَكَمَ القضاء المختص بأحقية الأقباط في ملكية هذا الدير. ويعرض الكتاب لكل هذه الجوانب مُزوَّدة بالوثائق والمستندات.
ولقد تنوَّعت مصادر هذا الكتاب بين المراجع العربية والأجنبية، والوثائق المنشورة وغير المنشورة، والرسائل العلمية، والدوريات، والمقالات، والمواقع الإلكترونية. وغيرها .
ويبدو واضحًا في هذا الكتاب الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في جمع هذه الوثائق والمستندات وتحليلها وعرضها.
وفي تصديره لكتاب "أقباط القدس ومشكلة دير السلطان"، يقول الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، يمكننا فهم هذا الكتاب الذي اجتهد مؤلفنا في وضعه، للدفاع عن جزء من الوطن ممثلًا في ذلك الدير الذي أصبح في يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عدوان يونيو/حزيران 1967 وتستخدمه إسرائيل ورقة سياسية تلوح بها بين آن وآخر لتضخيم مشكلاتها مع الفلسطينيين بتوسيع دائرة النزاع على تبعية الدير بين الكنيسة المصرية، من جهة، والكنيسة الحبشية (الإثيوبية) من جهة أخرى.
وعلى هذا، كان هذا الكتاب الذي اهتم مؤلفه بالتأكيد بالوثائق على مصرية الدير وتبعيته للكنيسة القبطية منذ مطلع القرن الأول الميلادي، حيث أفاض في ذكر المؤسسات القبطية بالقدس: الدينية والاجتماعية والثقافية، وممتلكات الأقباط التي اغتصبتها الطوائف الأخرى بالمدينة، كما ذكر مشاهير الأقباط الذين سكنوا الدير، ورحلاتهم السنوية للقدس بواقع ثلاث مرات كل عام إلى أن توقفت مع عدوان يونيو/حزيران 1967. كما اهتم بالإشارة إلى أن المطربين الذين تغنوا بالقدس وجلالها، مسيحيون ومسلمون (فيروز وعبدالحليم حافظ).
وفي إطار تأصيل مشكلة تبعية دير السلطان، ذكر المؤلف أن النزاع حول التبعية بدأ في عام 1820 مع الحبشة أي في زمن ولاية محمد علي، ومصر كانت آنذاك ولاية عثمانية، مع أن الكنيسة الحبشية كانت تتبع الكنيسة المصرية "الأرثوذوكسية".
 فلما وقعت الحبشة تحت الاحتلال الإيطالي في عام 1935 تحولت إلى الكنيسة الكاثوليكية بالتبعية لإيطاليا، وازداد الاهتمام بدير السلطان. وعندما حدد جمال عبدالناصر الدوائر التي تتحرك في نطاقها سياسات الثورة المصرية بثلاث دوائر هي: الدائرة العربية ثم الأفريقية ثم الإسلامية. تحركت إسرائيل لمحاصرة الثورة المصرية ومنع تأثيرها الخارجي ومن ثم سعت لتقوية علاقاتها بالدول المحيطة بالدائرتين العربية والأفريقية كنوع من فرض حصار على الحصار حيث شدت من أزر علاقتها بدولة تركيا، وإيران، والحبشة من أجل عدم تسرب مبادئ حركة التحرر الوطني إلى إفريقيا التي كانت شعوبها تخضع للاحتلال الأوروبي منذ القرن التاسع عشر.
وفي هذا الإطار من نشاط إسرائيل في حصار دور الثورة المصرية بقيادة جمال عبدالناصر نجدها تقف مع الحبشة في مطالبتها بملكية دير السلطان، فاختلط الجانب الديني بالسياسي، وأخذت المسألة تتعقد أكثر وأكثر، حتى لقد أخذت طريقها للمحاكم الإسرائيلية لتلعب إسرائيل بالعواطف الدينية لتحقيق أغراض سياسية.
ومن هنا كانت صرخة المؤلف الدكتور ماجد إسرائيل للمطالبة بعرض الأمر على مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية للنظر في أحقية تبعية دير السلطان بالقدس للكنيسة المصرية بناء على الوثائق المعتمدة، من باب إعادة الحق لأصحابه والتأكيد على أن الاحتلال لا يمثل شرعية تسمح لأصحابه بالتصرف خارج التاريخ والعقيدة.