نصف شباب الأردن بلا عمل

تقرير جديد للبنك الدولي يكشف عن مستوى غير مسبوق للبطالة في المملكة التي تعاني ضغوطا اقتصادية متزايدة ومضاعفة بسبب جائحة كورونا.
عدد العمال الوافدين في الأردن ارتفع إلى 352 ألفا و350 عاملا من جنسيات مختلفة
الأردن لديه 260 ألف عاطل عن العمل بين الشباب
سوق العمل الأردني يتميز باستيراد منتظم للعمالة خاصة من مصر وسوريا والعراق
الوباء عطّل مصفوفة الإصلاح الخمسية التي أعلن عنها الأردن في مؤتمر لندن في 2019
البطالة قد تؤدي إلى اضطرابات عقلية وإدمان المخدرات والكحول
نمو التوظيف غير كاف لتعويض الخسائر التي حدثت حتى عام 2023 على الأقل

يشير تقرير جديد للبنك الدولي إلى أن معدل البطالة بين الشباب في الأردن ارتفع إلى 50% في العام 2020، من 40.6% في العام 2019، وهو مستوى قياسي في تاريخ المملكة.
وأضاف التقرير أن البلد الذي يعاني ضغوط إقليمية ومحلية متزايدة تضرر اقتصاده بشدة من جائحة كورونا وسط نمو منخفض بالفعل وارتفاع معدلات البطالة وتزايد الديون. 
وتقلص الاقتصاد الأردني بنسبة 1.6% عام 2020، وارتفع معدل البطالة لدى الإناث، والذي انخفض بين 2017 و2019 من 31.2% إلى 27% بشكل حاد، ليصل إلى 32.8% في الربع الرابع من العام 2020.
وارتفعت نسبة البطالة لدى الشباب (15-24) عاما بشكل ملحوظ من 40.6% في العام 2019 إلى 50% بنهاية الربع الاخير من العام 2020.
ويوجد في المملكة 260 ألف عاطل عن العمل بين الشباب، منهم 26 ألف شخص في الفئة العمرية 15-19 عاما، و122 ألفا في الفئة 20-24 عاما، و114 شخصا في الفئة 25-29 عاما، ويبلغ إجمالي عدد المتعطلين عن العمل في الأردن 400 ألف شخص.

تجاهل تكاليف الصحة العقلية يزيد من الآثار السلبية للبطالة

وشكل وباء كورونا ولا يزال، صدمة اقتصادية شديدة في جميع البلدان على حد سواء، والأردن بالطبع ليس استثناء، بل تضاعف تأثير الجائحة على الاقتصاد الأردني حيث كانت البلاد تتحرك بالفعل على مسار نمو منخفض وسط ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والنساء. 
وعطل انتشار الفيروس التاجي مصفوفة الإصلاح الخمسية التي أعلنت عنها المملكة في مؤتمر لندن في فبراير/شباط 2019، وتقتضي الالتزام بخطة للإصلاح الاقتصادي والنمو على مدى 5 سنوات (2018-2022)، وتستند إلى مجموعة إصلاحات سياسية وهيكلية تتعلق بأهم قضايا السياسة الاقتصادية التي تواجه البلد.
ووضع الأردن بالفعل الأساس لنمو أكثر استدامة وشمولية مع التركيز على خلق فرص العمل، وخاصة للشباب والنساء، وأحرزت الحكومة بدعم من البنك الدولي تقدما هاما في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية في مجال سوق العمل وشبكات الأمان الاجتماعي والقدرة التنافسية للقطاع الخاص والحوكمة.
وفي مواجهة التحديات الجديدة المرتبطة بالوباء، يرى البنك الدولي أن التركيز الثابت على الإصلاحات الهيكلية الرئيسية في الزراعة والسياحة وتيسير التجارة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والتحول الرقمي، وكذلك تحسين بيئة الأعمال والوصول إلى التمويل، من الممكن أن يساعد الأردن على تسريع تعافيه من الأزمة بكفاءة استدامة وشمولية.
ويتوقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد الأردني بنسبة 1.8% في عام 2021 وأن يرتفع إلى 2.0% في عام 2022.

العمالة الوافدة في الاردن
نسبة العمالة السورية الوافدة ترتفع في الأردن

عمال وافدون
ويتميز سوق العمل الأردني باستيراد منتظم للعمالة، وخاصة من مصر وسوريا والعراق ويشكل العمال الوافدون ربع القوة العاملة، وينخرطون غالبا في قطاعات الصناعة والبناء والخدمات والزراعة، وهي وظائف ذات أجور متدنية وظروف عمل صعبة، ما يجعلها أقل جاذبية للأردنيين المتعطلين عن العمل، والذين يعتقدون أنه لا توجد وظائف مناسبة لهم في بلدهم.
وتضاعفت مشاكل البطالة بسبب عدم التوافق بين مهارات الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل ومتطلبات السوق في الأردن، ما يدفع الشباب إلى البحث عن فرص خارج البلد وخاصة في دول الخليج.
وبحسب بيانات وزارة العمل، ارتفع عدد العمال الوافدين في الأردن خلال الأعوام الخمسة الماضية من 324 الفا و410 إلى 352 ألفا و350 عامل من جنسيات مختلفة بزيادة مقدارها 27 ألفا و940 عاملا وافدا.
وكشفت وزارة العمل أن الارتفاع طال العمالة السورية حيث ارتفعت خلال السنوات الخمس الأخيرة من 5 آلاف و700 عامل سوري الى 40 الفا و519 عاملا، بينما انخفضت العمالة المصرية من 211 الفا إلى 188 الف عامل.
بطالة عالمية
تتوقع منظمة العمل الدولية في تقرير نشر الاربعاء الثاني من يونيو/حزيران أن يظل 220 مليون شخص على الأقل عاطلين عن العمل على مستوى العالم خلال العام الحالي، وهو ما يزيد كثيرا عن مستويات ما قبل الجائحة، في ظل تعاف ضعيف لسوق العمل يفاقم التفاوت الحالي.
وتتنبأ المنظمة التابعة للأمم المتحدة بحدوث تحسن ليهبط العدد إلى 205 ملايين عاطل في العام المقبل، ولكنه مستوى لا يزال أعلى من 187 مليونا سُجلت في 2019 قبل الضرر الكبير الذي أحدثته أزمة فيروس كورونا.
ووفقا لنماذج منظمة العمل، يضاهي ذلك معدل بطالة عالمية 6.3 بالمئة لهذا العام، يهبط إلى 5.7 بالمئة العام المقبل وإن ظل أعلى من معدل ما قبل الجائحة البالغ 5.4 بالمئة في 2019.

مشاكل البطالة تضاعفت بسبب عدم التوافق بين مهارات الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل ومتطلبات السوق في الأردن

وقالت المنظمة عن آفاق التوظيف والآفاق الاجتماعية في العالم في 2021 "نمو التوظيف سيكون غير كاف لتعويض الخسائر التي حدثت حتى عام 2023 على الأقل".
وقدرت المنظمة أن خسائر ساعات العمل في عام 2020 مقارنة بعام 2019 تعادل ما يصل إلى 144 مليون وظيفة بدوام كامل في 2020 وعجز يظل عند 127 مليون وظيفة في الربع الثاني من العام.
وأوضح التقرير أن النساء والشبان والملياري شخص العاملين في قطاعات غير رسمية هم الأكثر تضررا، إذ يزيد حاليا عدد العاملين في شتى أنحاء العالم الذي يصنفون كفقراء أو يعانون من فقر مدقع بواقع 108 ملايين مقارنة بعام 2019.
آثار نفسية خطيرة
لا ترتبط البطالة فقط بانعدام الموارد المالية بل تمتد آثار فقدان الوظيفة أو عدم إيجاد عمل إلى خطر الإصابة باضطرابات الصحة العقلية، فالوظائف تمنح الأشخاص الشعور بأن لديهم هدف ومعنى لحياتهم من خلال جعلهم يشعرون بمزيد من الإنتاجية وكأنهم عضو مساهم في المجتمع.
وعندما يخسر بعض الأشخاص وظائفهم، فقد يخسرون أيضا هذا الإحساس بالهدف، و حتى يتمكنوا من العثور على عمل جديد، فمن المحتمل أن يشعروا بأنهم عديمو الفائدة، وتكون هذه المشاعر أحيانا مقدمة لتطور الاكتئاب.
ووجدت الكثير من الدراسات أن البطالة تجلب الاكتئاب واليأس وأن الأشخاص المتعطلين عن العمل هم أكثر عرضة بمرتين للإصابة بهذا المرض، إضافة إلى الشعور بالفشل لعدم قدرتهم على إعالة أسرهم، ما يؤدي ببعض الناس إلى الشك الذاتي وانعدام الأمن، وكلما طالت فترة بقائهم دون وظيفة، ساءت ثقتهم بنفسهم أكثر.
ويزيد القلق عند المتعطلين عن العمل مقارنة بأقرانهم العاملين، وعلى الرغم من أن القلق بشأن الأمور المالية أمر طبيعي مع فقدان الوظيفة، لكنه بمرور الوقت يمكن أن تتفاقم هذه المخاوف وتتطلب علاجا لاضطراب نفسي.

البطالة في العالم
220 مليون شخص على الأقل عاطلون عن العمل على مستوى العالم

وتجعل هذه المشاكل النفسية مقرونة بالإحباط من عدم القدرة على العثور على وظيفة أخرى، الناس غاضبين وسريعي الانفعال، وقد ينفجرون على أحبائهم بسهولة أكبر أو يغضبون من الأشياء الصغيرة التي اعتادوا تركها تمر في العادة.
ولا يستطيع جميع المتعطلين عن العمل أو فاقدو وظائفهم التعامل مع مشاكل صحتهم العقلية بطريقة عقلانية، فقد يلجأ بعضهم إلى المخدرات أو الكحول للشعور بالتحسن، لكن بمرور الوقت، يمكن أن يتطور هذا السلوك إلى إدمان المخدرات الذي يمكن أن يتسبب بالمزيد من المشاكل.
ولا يؤثر فقدان الوظيفة على سلوك ونفسية الشخص نفسه فحسب، بل قد تمتد آثار البطالة على الصحة العقلية إلى الزوجة أو العائلة أو الاهل أيضا، فالقلق والاكتئاب والغضب واليأس كلها مشاعر قد تنتقل إلى الآخرين، خاصة إذا كانت آثار فقدان الوظيفة عنيفة وملحوظة، فمن المحتمل أن يمر المحيطون بهذه المشاعر السلبية، ومع مرور الوقت، قد تتسبب الصحة العقلية السيئة للمتعطل عن العمل في حدوث انقسامات في عائلته يصعب معالجتها.
وتكون مشاعر القلق والإحباط وخيبة الأمل والعزلة والاكتئاب أكثر وضوحا بين أولئك الذين يتحملون مسؤوليات مالية أكبر والأشخاص الذين لديهم إحساس أكبر بالكفاءة الذاتية يعززها النجاح السابق في مجموعة من المجالات بما في ذلك المدرسة والعمل.
ويقول خبراء علم الاجتماع وعلماء النفس أن تجاهل تكاليف الصحة العقلية يزيد من الآثار السلبية للبطالة، وبالتالي، يجب أن تأخذ السياسات العامة الهادفة إلى تحسين أداء سوق العمل في الحسبان هذا الجانب المرهق للبطالة، وتضع في اعتبارها الدعم الذي يحتاجه المتعطلون عن العمل.