احتفالات مصرية بألوان الطيف في اليوم العالمي للغة العربية
تولي مصر هذ العام اهتمامًا كبيرًا للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول. وذلك من منطلق التأكيد على أن اللغة هي مقوم أصيل في تكوين هوية الشعوب وثقافتها المدونة والمنطوقة أيضًا، ولا سيما بعد انتشار هذه الظواهر اللغوية السلبية بين فئات المجتمع المختلفة، بل ووسط بعض دارسي الأدب واللغة في المدارس والجامعات مما أصبح يشكل خطورة على سلامة اللغة العربية على ألسنة الناطقين بها من أهلها. إذا أن الناطقين بالعربية من غير العرب أصبح أغلبهم يحافظون على سلامة النطق بل والكتابة بها.
ولعل هذا هو ما دعا هيئات وزارة الثقافة المصرية وفي مقدمتها: قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، والمجلس الأعلى للثقافة إلى التفكير في عمل لقاءات متلفزة مع عدد من سفراء دول العالم لدى القاهرة وفي مقدمتهم سفراء: بريطانيا، اليابان، وكوريا الجنوبية، وبولندا، والنمسا، وإندونيسيا، واليونان لبسط تجاربهم في تعلم اللغة العربية وممارستهم لها، وآرائهم فيها، ومنهم سفير بريطانيا في القاهرة الذي قال: "أحب اللغة العربية لأنها لغة أم كلثوم". وأضاف سير جيفري آدامز، في حديثه الذي يبث اليوم على قناة وزارة الثقافة المصرية على "اليوتيوب" مزيدًا من التفاصيل حول علاقته باللغة العربية وظروف تعلمها خلال فترة عمله في عدد من الدول العربية.
أما المركز القومي للترجمة، الذي تديره الدكتورة كرمة سامي فريد، فيتمثل احتفاله باليوم العالمي للغة العربية -الذي تحضره وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم مساء السبت بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية – في تنظيم احتفالية لتكريم كل من: المترجم بدر الرفاعي ويتحدث عن منجزه في الترجمة الكاتب الصحفي سيد محمود، والدكتور أنور إبراهيم الذي يضيء منجزه في الترجمة عن اللغة الروسية، الكاتب إيهاب الملاح.
هذا فضلًا عن تكريم اسم العالم الراحل الدكتور محمد عوني عبدالرؤوف، ويقدم لمنجزه في الترجمة الدكتور محمد العبد، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي زامل المحتفى به في كلية الألسن.

كما تتضمن الاحتفالية حوارًا ثقافيًا مع المكرمين: الدكتور أنور إبراهيم، وبدر الرفاعي تحت عنوان "اللغة العربية والترجمة" يديره الدكتور عبدالعزيز بديوي.
وتختتم المناسبة بقصائد فصحى مغناة يقدمها كورال أطفال مركز تنمية المواهب بدار الأوبرا المصرية.
ويذكر أنه تقرر تخصيص يوم عالمي للاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام نظرًا لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر/كانون الأول من العام 1973 باعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، تلبية لمقترح قدمته المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
واحتفالًا باليوم العالمي للغة العربية تقوم الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بمنح تخفيض قدره 50% على إصداراتها يومي 20 و21 من ديسمبر/كانون الأول.
وفي جامعة عين شمس، تعقد الدكتورة سلوى رشاد، عميدة كلية الألسن، احتفالًا باليوم العالمي للغة العربية صباح الأحد 20 ديسمبر حول الإسهام العربي المعاصر في الثقافة العالمية تستضيف فيه الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية لمناقشة الكتاب الذي أصدرته المكتبة تحت عنوان "الإسهام العربي المعاصر في الثقافة العالمية.. حوار عربي عربي" والذي قام بتحريره وتقديمه الدكتور مجدي يوسف، وأسهم فيه عدد من كبار الباحثين في أوروبا وأميركا الشمالية من بينهم: د. محمد حامد دويدار، ود. محمد رؤوف حامد، ود. حامد الموصلي، ود. راسم بدران.
ويتحدث في الجلسة الافتتاحية الدكتور محمود المتيني، رئيس جامعة عين شمس، والدكتور مصطفى الفقي، والدكتورة سلوى رشاد، وتدير هذه الجلسة الدكتورة يمنى عزمي، مقررة لجنة العلاقات الثقافية بكلية الألسن.
أما الجلسة الثانية فيتحدث فيها الدكتور مجدي يوسف، رئيس الرابطة الدولية لدراسات التداخل الحضاري، والدكتور محمد رؤوف حامد، أستاذ علم الأدوية بهيئة الرقابة الدوائية بالقاهرة، والدكتور خالد الموصلي، أستاذ هندسة الإنتاج بكلية الهندسة جامعة عين شمس، والدكتور علي الغتيت، أستاذ القانون الاقتصادي الدولي والمقارن بجامعة عين شمس، والدكتور ماجد الصعيدي، أستاذ الأدب والنقد بكلية الألسن.
وفي الجلسة الختامية تتحدث الدكتورة سها محمود عن جهود العلماء واللسانيين العرب في حوسبة اللغة العربية، والدكتورة نيفين محمد كمال عن البيروني فيلسوف الحضارات، وتدير الجلسة الدكتورة نجوى عمر، أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الألسن.
وتستعيد ذاكرتي ملامح الراحل الدكتور عوني عبدالرؤوف، الذي يُكَرَم في احتفال مصر باليوم العالمي للغة العربية هذا العام، والذي حضرت له أكثر من لقاء علمي متخصص في مجال دراسة أحوال اللغة العربية وتحولاتها في بلادنا، ومنها مائدة دراسة الواقع اللغوي في الجامعات المصرية التي أعد لها الدكتور السيد فضل، عندما كان مقررًا للجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، وشارك فيها عدد من علمائنا الكبار: حسين نصّار، ومحمود فهمي حجازي، ومحمد حمدي إبراهيم، ومحمد العبد، وغيرهم.
في تلك المائدة، ذكر الدكتور محمد حسن عبدالعزيز، الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، في حضور الدكتور عوني عبدالرؤوف أن التعليم باللغات الأجنبية في 182 مدرسة بالقاهرة الكبرى وحدها أدى إلى تفشي مشكلة هبوط مستوى إجادة اللغة القومية، فبعد أن كنا نسمع أن هذا انتمى إلى كلية الآداب وأن ذلك تخرج في دار العلوم أو في الأزهر أصبحنا نعيش في زمن يبحث عن خريجي المدارس الأجنبية، ويتجاهل خريج هذه الكليات التي لم يعد من يتخرج فيها يجد فرصة عمل كريمة.
ولعل هذا أدى إلى أن هزالة الحاصلين على الثانوية العامة هم من يتوجهون إلى دار العلوم أو كليات الآداب، وهو ما أدى بالضرورة إلى ضعف المستوى أثناء الدراسة وبعد التخرج، فهبط بمستوى أستاذ الجامعة كما هبط مستوى المعلم في المدرسة.
ويعترف بأنه ذاق الأمرين هو وأستاذه الدكتور محمد عوني عبدالرؤوف أثناء عضويتهما في لجان ترقية أساتذة الجامعات، فيما يعرض عليهما من بحوث تافهة، وبحوث أخرى لا يدري أحد من أين جاءت، أو كيف جاءت؟!
واللافت أن الدكتور محمد حسن ذكر أن المناهج التي قام بتدريسها لطلبة كليات الهندسة في مجال الكتابة العلمية باللغة العربية فاقت نتائجها نتائج تدريسه لطلبة دار العلوم؟!
كما أشار إلى أن أساتذة علم النفس أكدوا له أن التعليم باللغات الأجنبية أدى إلى اضطراب الهوية، وازدواج الشخصية، وشيوع مظاهر الاستعلاء الاجتماعي.
وأذكر أن الدكتور محمد عوني عبدالرؤوف قال في تلك المناسبة إنه على امتداد أكثر من أربعين عامًا تولى خلالها إدارة إحدى المدارس الأجنبية العريقة في مصر، يتحدى أن يكون قد قام بتخريج طالب لا يجيد العربية إجادته غيرها من اللغات التي كان يدرسها، ويوضح أنه كان يخصص ساعتين كل يوم يلتقى فيهما بالمدرسين ليبحث معهم كيفية تحقيق التوازن لدى الطالب، وأهمية احترام لغته القومية.
في حين أشار الدكتور محمد العبد أثناء مشاركته في هذه المائدة إلى أن تعدد مجالات الدراسات اللغوية في الجامعات المصرية، مثل قراءة التراث اللغوي في ضوء المناهج الحديثة، أو دراسات لغة الإعلام، أو دراسات لغة الإبداع الأدبي، أو دراسات نحو النص وغيرها لم يخلُ من بعض السلبيات، مثل اعتماد بعضها على مراجع مترجمة ترجمة سيئة، أو تكرار بعضها لبعض، أو الاختيارات العشوائية لموضوعات غير ذات جدوى، والتخلي عن موضوعات أخرى أهم وأجدر بالبحث.

من ناحية أخرى، بين الدكتور العبد أنه لاتزال هناك مجالات عدة ينبغي للدراسات اللغوية في الجامعات المصرية أن تهتم بها في المستقبل، ومنها: الإفادة من النظرية التداولية في تحليل أنواع الخطاب والنصوص المختلفة، والإفادة من النظرية الحِجاجية في تحليل النصوص الفكرية والدينية والفلسفية، ومن الجغرافيا اللغوية في عمل الأطالس اللغوية للهجات العربية، ومن نظرية اللغة المنطوقة في تحليل العربية في الفضائيات والنصوص الدرامية، ومن نظرية النحو الوظيفي ومن اللسانيات العامة واللغات المتخصصة والوظيفية في تحليل لغة المرافعات واللغة في ساحات القضاء والعدالة بعامة، لاسيما وأن حال اللغة في السنوات الأخيرة قد آل إلى ما نراه ونعرفه من مستوى متدن للعربية على ألسنة رجال القضاء.
وقد نبَّه العبد إلى أهمية الإفادة من الحوارات والآراء القيمة والنتائج العملية التي انتهت إليها هذه المائدة المستديرة، وضرورة اطلاع الأقسام العلمية المعنية في الجامعات المصرية والعربية على تلك النتائج والأفكار للإفادة منها في الدراسات اللغوية المستقبلية.
ويذكر، أن اللغة العربية تعد إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، ومن أكثر اللغات تداولًا؛ إذ يتحدث بها أكثر من 467 مليون إنسان، فضلًا عن كونها بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا على شبكة الإنترنت. ويربو عمر هذه اللغة على 1700 عام.
وعلى الرغم من أنها اللغة الرسمية للدولة في مصر، فأنها تعاني انهيارًا شديدًا لدى فئات المجتمع المختلفة، كما أسلفنا، ولا سيما بسبب هيمنة لغات أجنبية على التربية والتعليم وسائر أوجه الحياة.
كما يحتفل قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع قسم اللغة العربية بكلية التربية جامعة الإسكندرية باليوم العالمي للغة العربية عن طريق مؤتمر يقام على مدار ثلاثة أيام بمقر المكتبة اعتبارا من الأحد 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري حتى الثلاثاء 22 من الشهر نفسه، ويشارك فيه مجموعة من الباحثين والأساتذة والأدباء: د. مدحت عيسى، د. محمود سليمان ياقوت، د. إبراهيم سعد، د. أسامة أحمد إسماعيل، د. عيد بلبع، د. بهاء حسب الله، د. علي اليماني، د. محمد مصطفى أبوشوارب، د. حافظ المغربي، أحمد فضل شبلول، د. أيمن فؤاد سيد.