ثنائية في ذهن ساذج (3)

افضل الأئمة من سهّل للناس اسرار الغيب وتعقيدات العقائد، والإمام الذي يؤم الخلق بالفقه والعقائد لا يكون منزوعًا عن عالمهم غائبًا عن الخليقة.
المؤمن يحتاج الى شعور تكميلي وهو الإطمئنان الذي يتحصل من خلال الحواس
عقيدة الإمامة تتعلق بالنصوص المتوارثة وجدليات المتكلمين وأهل الحديث

ينبغي أن أوضح امرًا ضروريًا يخصني شخصيًا:
أنا لا أتحيّز لجهة أو شخص، ولا أروج لدعوة أو توجه، وكل ما في الأمر أن هناك مواضيع تفرض نفسها لوقعها القوي أو لفرادة الفكرة فيكون اهمالها سذاجة أو تصرّف غير مُبرر، وكذلك؛ لزم الإحاطة بكل جوانب الموضوع وتفرعاته ومستجداته.
أنا كاتب محايد.
دعاة بمنطق انفراجي
الإمام الرباني السيد فاضل المرسومي..
بهدوء، دون ضجة أو ضوضاء، بخطوات هادئة في زمن الضجيج، لا يصرخ في وجه اتباعه ولا ينقطع عنهم، يُعلن إنه مظهر حي من خلاله يتواصل المؤمنون مع عالم الغيب، أي إنه تجسد لصلة ووصل بين عالم الدنيا وعالم الغيب، وهذه العقيدة تحمل عنوانًا معروفًا عند الشيعة هي من ضرورات تقبّل التديّن والأعمال وحتى الإيمان، إذ يعتقد الشيعة أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.. وعلى هذا الأساس العقدي يكون من الحتمي طرح السؤال التالي: من هو إمام الزمان الحالي للشيعة؟
الجواب وعدم الجواب كلاهما يُظهر ثنائية تناقض في ذهن الشيعي فهو يؤمن ويدين ببيعة لإمام زمانه ولكنه لم يلتق به أو يره، هو يعتقد جازمًا أن من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ولكنه لم ير إمام زمانه مرأى العين، ولمّا جعل الفقيه واسطة بينه وبين الإمام الغائب اعترف أن الفقيه يعمل بالأحكام الظنية والرأي بينما الكتب التراثية تقول أن الإمام المعصوم يحكم بعلم تام ويتحدث بمعرفة تامة ولا يُفتي برأي وظنون، وهكذا قضى أهل الطائفة القرون بين الفرض الغائب والريبة المعمول بها.
يتفضل السيد فاضل المرسومي بتقسيم الأئمة الى ثلاثة اقسام، أولهم أئمة دنياويون وهم الآباء والأمهات والأساتذة، وأئمة دين الظنون وهم رجال الدين والفقهاء الذين يدعون للموروث ومرجعيتهم التراث وبه صاروا مرجعية، وإمامة طبيعية لم تخلُ الأرض منها يكون منها الإمام حائزًا على العصمة ومالكًا لمعنى الله ومرفوع عنه الحُجب وهو حي بمعنى الله والإتصال به، وعبر هذا الإمام يتصل الناس بربهم، أي أن الناس بمعرفة الإمام الرباني يعرفون الرب(قَدْ كُشِفَ الْغِطاءُ عَنْ اَبْصارِهِمْ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقائِدِهِمْ وَضَمائِرِهِمْ، وَانْتَفَتْ مُخالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرائِرِهِمْ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ/ يوتيوب بعنوان: مناجاة العارفين بصوت الداعي الإمام الرباني|١٤٤١ هـ).
ولكن؛ لِمَ لا يتبّع كل الشيعة هذا الخط ويعتبرونه المنفذ للإفلات من ثنائية التناقض؟
قلنا أن ثنائية التناقض في ذهن الشيعي هي اعتقاده الجازم بأن من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وبالمقابل كيف للمعرفة أن تتحقق دون تعارف مباشر؟!
أي إشكال يطلقه أي شيعي بالضد من دعوة الإمام الرباني السيد فاضل المرسومي تستلزم فورًا إثبات معرفة الشيعي المحتج إمام زمانه معرفة مباشرة وإلا فعليه أن يسلك الطريق الثالث؛ تكذيب عقيدة وجود إمام زمان.
إمام يُعلِن إمامته، وهو بخاطب الناس وجهًا لوجه، وهو ايضًا يُعلِن اتصاله بإمامة من قبله بتواصل التشابيه إذ تجد في اليوتيوب مقاطع لدراما يكون فيها الإمام الرباني ممثلًا يلعب دور الحُسين، أي أن الإمام الرباني إمامٌ بالجسد وإمام يتجسد الحُسين بطراز فني، فهل من مرجع أو فقيه مُقلَّد يرتقي الى هذا المستوى الديني؟
ان مستوى الدعوة للداعي الرباني تتجلى بخطابه المباشر للناس "المنبر"، وتجسيده الدرامي لشخص الحسين في دراما الطف "الفن والأدب والثقافة"، ودعوته السياسية بعد تأسيس حزب سياسي "حزب الداعي"، وهذه التجليات حجة بالغة إذ لم نشهد أن معتمرًا لعمامة شيعية تقلد هذه التجليات ونفذها بنفسه، وليأتي الشيعة بشخص ظاهر ناطق من الوسط الديني حمل هذه الأدوار جهارًا، وليأتي الشيعة بتطبيق القاعدة العقائدية القائلة: لا تخلو الأرض من حجة(لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها/ علي بن موسى الرضا) ويقول الإمام جعفر الصادق(لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما) ويقول الإمام الرباني (الداعي حجة خاصة على من شهد بدعوته الحقيقة ومسها وهو حجة عامة على جميع الناس يدعوهم أن يبحثوا في دعوته ويتبعوا).
ما الميزة في دعوة السيد فاضل المرسومي؟
أول الميزات أنه ينقذ الشيعة من الإشكال المُعضل: تأخر ظهور إمام انتظروه لأكثر من أحد عشر قرنا؛ وأن من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. والتناقض في نفس العقيدة معضلة عسيرة لا بُدَّ من تفكيكها ومن ثم حلحلتها.
ثاني الميزات تبسيط الدين وجعله واضحًا يمكن فهمه عبر دروس ومحاضرات يُلقيها نفس الإمام.
ثالث الميزات التجسد، أي أن يكون الإمام ظاهرًا حاضرًا بين الناس لأن البشر يتفاعلون مع ما يمكن ادراكه بحواسهم أكثر مما لا يمكن ادراكه إلا بالخيال أو النقل السردي الروائي.
افضل الأئمة من سهّل للناس اسرار الغيب وتعقيدات العقائد، والإمام الذي يؤم الخلق بالفقه والعقائد لا يكون منزوعًا عن عالمهم غائبًا عن الخليقة ودنيا المخلوقات وإلا هل يتعمد الله توريط الناس فيجعل حجابًا بين عالم الخلق وإمامهم ويُقدِّر عدة قرون لبقاء هذا الحجاب فلا بديل أو تغيير في عقيدة الإمامة من ناحية ضرورة حضور الإمام بين الناس.
أن مسألة الإمامة وعقيدة الإمامة تتعلق بالنصوص المتوارثة وجدليات المتكلمين وأهل الحديث ولا شأن لها بالماديات وقوانين الفيزياء وتراكيب الكيمياء ومناهج الطب أو الهندسة، ورسالة القائل بعقيدة الإمامة إما أن تكون فقهية، أو عقدية اختلف فيها الذين يحاولون تعقلّها، ولهذا فالأقرب للتصديق هو الأقرب للإطمئنان، ولهذا توجه موسى الى الله بطلب صريح نقله القرآن بنص صريح "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ/سورة الأعراف ١٤٣". وتوجه ابراهيم لله بطلب صريح نقله القرآن بنص صريح "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ/ سورة البقرة ٢٦٠".. ونلاحظ أن ابراهيم تلقى سؤالًا من ربه "قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن" فأجاب ابراهيم: "بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي".. وبملاحظة هذه الآيات البينات نفهم واحدة من طبائع البشر الراسخة وهي طلب الاطمئنان فحتى المؤمن يحتاج الى شعور تكميلي وهو الإطمئنان، والإطمئنان يتحصل من خلال الحواس فموسى وابراهيم كلاهما طلب الإطمئنان بكلمة "أَرِنِي" فمكنهما الله من "إبصار" ما يبعث في نفسيهما الإطمئنان، فكيف للشيعي أن يطمئن لوجود إمامه وإمامه غائب لا يُرى؟