ماذا بعدما عادت معتذرةً؟

السويد المأزومة بأكثر من قضية تجد متنفسا للاسلاموفوبيا المتزايدة في حماقة لزعيم ميليشاوي سابق.

بعد عاصفة غضبٍ إسلاميةٍ وعربيةٍ، وانتقادات دوليةٍ على خلفية السماح بحرق نسخةً من المصحف الشريف أمام أكبر مساجد ستوكهولم، قدمت السويد اعتذاراً في بيانٍ نشرته عبر صفحتها على تويتر اختصت به الخارجية العراقية، والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أعربت فيه عن عميق أسفها، مؤكدةً رفضها للأعمال المعادية للإسلام، وأنها تتفهم شعور المسلمين بهذا الشأن، وعليه فأن الشرطة بصدد إجراء تحقيق بشأن الانتهاكات المشينة وفقا لجرائم الكراهية، لافتةً بأن السويد لديها قوانين تكفل حرية التجمع، و التعبير، والتظاهر.

وكان ذلك الاعتذار نهاية الجولة الثانية في ستوكهولم. نعم مجرد نهاية بسيطة ومختصرةٌ لا أراها عظيمةً أو حتى ساذجةً وأن المشهد من بدايته وتتابع أحداثه وفواصله ونهايته التي لم تُرسم خطوطها بعد أبعد مما يظهر على السطح.

أولاً: لا مساس بقدسية القرآن

أسأل هنا المسلمين، وأنا منهم: مِا الذي أخافنا في هذا الموقف؟ وعلام نخاف؟ أنخاف على القرآن؟ كيف ذلك؟

والاجابة قاطعة نقلاً "إنَّا نَحْنُ نٍزلنا الذكرٓ وإنَّا له لحافظُونَ"، وعقلاً أنه استمر مقدساً لم يمس ما يزيد عن أربعة عشر قرناً. فإذاً الحقيقة أننا المقصودون سواء بالسخرية أو الرهبة لا القرآن.

فما فعله سلوان موميكا من استعراض بهلواني مرتدياً رداء الناصحين متحدثاً باللغة العربية مدعياً بأن القرآن أخطر من السلاح النووي وأنه لا يصلح لهذا الزمن، معلناً أنه يمثل كل إنسان حر اعتدى عليه الداعشيون داعياً السويد للحذر من القرآن. والغريب انه بعد استعراضه البهلواني يردد الله أكبر.

مشهدٌ مرضي لا ثورة فيه بل لغط ناتج عمّا حدث له ولغيره من العراقيين جراء ما سمي بتنظيم الدولة الداعشي والتي لا زالت أثارها كامنةً في النسيج المجتمعي العراقي بل والدولي وما أحدثه من شروخ عميقة وانكسارات وانهزامات عمقت ما يسمى الإسلاموفوبيا تداخلت فيها المشاعر العنصرية والكراهية ضد الاسلام والانتماء الديني تلك المشاعر التي أذكاها الجهل المستحكم بالإسلام كعقيدةٍ من جانب، والتحريض لدى بعض وسائل الإعلام، وجهات أخرى دولية داعمة لمثل هذه الهجمات الأمور التي تجمعت لتحقق أزمة ثقافية ونفسية في ثقافة الآخر (المسلم)، وتفهم خصوصياته.

يجب أن نرى بوضوح ذلك المواطن العراقي (سلوان مونيكا) المتقلب المزاج والمواقف السياسية كما وصفه أهالي محافظة نينوى بشمال العراق وأنهم لا يريدونه بينهم فهو ملحد متطرف، كان قائداً لفصيل مسلح بالعراق (صقور السريان) لتحرير العراق من داعش، رُفعت ضده دعاوى قانونية كثيرة قبل هجرته ولجوئه للسويد، فقد كان متزعماً ميليشيا ضواحي الموصل 2017 بسبب النفوذ مع زعيم ميليشيا بابليون، غادر سلوان بعد اعتقاله 2017 للسويد ملتحقاً بأحد الأحزاب العنصرية هناك.

هذه خلفية سلوان فماذا ننتظر منه؟ الأمر مجرد متطرف يحمل ولاعته ليزيد النيران، ويشعل الساحة بمزيد من التوتر في لحظة تاريخية حساسة بالنسبة للسويد قبل المسلمين المعنيين بالأمر.

ثانياً: مخاوف رسمت موقف التراجع والقفز من المركب

المأزق السياسي الذي تمر به السويد جعلها تعيد قراءة المشهد، فالظرف الإقليمي الذي تمر به، في ظل الضغط التركي والتلويح بإهمال ملف انضمام السويد لحلف الناتو، خاصةً بعد حادثة اعتداء المتطرف السويدي بحرق المصحف أمام السفارة التركية بالسويد 21 يناير/كانون الثاني 2023 بغية الاحتجاج ضد تركيا الرافضة الانضمام السويدي لحلف الناتو، بدعم من حزب السويد الديمقراطي اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين، الامر الذي جعل تشانغ فريك محرر اخبار الْيَوْمَ اليميني هو من دفع رسوم الترخيص الذي حصل عليه المتطرف لحرق المصحف امام السفارة التركية.

كذلك مروراً بأزمة الستة عشر يوماً مع الرياض اثر تصريحاتٍ مسيئة للوزيرة السويدية حينما تحدثت في جلسة برلمانية مفتوحة يوم السادس من مارس/ آذار الماضي طالبة عدم تجديد الاتفاق الثنائي مع السعودية في مجال الصناعة مما جعل السعودية تسحب سفيرها وتمنع منح تأشيرات رجال الاعمال السويديين للسعودية مما أضر بالمصالح السويدية التجارية، الأزمة التي انتهت أيضاً باعتذار ملك السويد غوستاف السادس عشر ووزرائه واعادة العلاقات مجدداً.

هذه خلفية السويد السياسية قرابة ستة أشهر صدامية مع المجتمع الاسلامي. خاصة وأنها تراجعت عن موقفها الذي طالما تباهت به عقوداً من كونها ملاذاً للمهاجرين ومفتوحةً الأفكار لجميع أنحاء العالم، وهذا ما يجعل الاعتذار مجرد رد فعل لا أكثر أو قفز من المركب الغارق.

ثالثاً: ما بين السويد والشعوب الإسلامية والقفز من النقيض للنقيض

أحد الجوانب الهامة التي لها علاقة مباشرة بفهم المشهد جيداْ، ما بين حرية المعتقدات والتعبير وما بين إدانة وتجريم الأفعال المشينة. فحسب القانون السويدي السماح لانتقادات جميع الأديان والمعتقدات والمقدسات وتعتبرها حريةً، أما البشر فهم محميون بقوة القانون، في مقابل المجتمعات المسلمة التي تتسامح مع الضرر الواقع على الأشخاص المؤمنين بهذا المعتقد لكنها لا تتسامح مطلقاً وتُبدي حساسيةً شديدة تجاه المعتقدات والمقدسات هذا يعني أننا أمام موقفين مختلفين لمنظومتين من القيم.

رابعاً: ما بعد الحادثة، وللحديث بقية

ما حدث من المجتمعات الإسلامية والعربية من تنديدات وسحب سفراء والتلويح بالمقاطعات التجارية لا تخرج من كونها رجفات، وفرامل مؤقتة وردع وقتي، وان رحلة الاستفزاز العنصري والديني ستستأنف نشاطها، ربما قريباً، فمثل هذه الممارسات ليس لها خطوط نهاية طالما لم تحل من جذورها، وطالما لا زلنا نقف خلف الأبواب المغلقة، فرغم الثورة التكنولوجيا فأزمة الثقافة بين المسلمين وغيرهم قائمةً، مما يتطلب إدامة الحوار مع الشركاء الدوليين، وهنا تقع مسؤولية المسلمين في بلاد الغرب للعمل بالوسائل المشروعة لرسم حدودا لأفكارهم عندما يختلط حبرها بمساحات حرية الآخرين، وكذلك العمل على تعريف غير المسلمين بالإسلام فعلاً، لا قولاً.

أما على مستوى الحكومات والمنظمات والاتحادات الاسلامية والانسانية العالمية فعليها ألا تكون مجرد ردات موسمية بل تتقدم خطوات فاعلة لسن قوانين تجرم الاساءات كما على السويد نفسها إعادة التفكير في استثمار الحادثة لتعديل قانون حرية التعبير، وعقد لقاءات حوارية مع الأقليات المسلمة ليكون الأمر أكبر من حادثة في ظرف إقليمي، وتعمل هي وجميع الدول الأوروبية من حسن إدماج المهاجرين حتى لا تصبح منطقة ساخنة، ويتسرب إليها لهيب الشرق الأوسط وان نحاول معاً لحل وبهدوء عقدة التاريخ والجغرافيا معاً وإلا تكررت المشاهد خامساً وسادساً ومليون وتصبح الحكايات فيها دوماً ناقصة وللأحداث.