ملامح وإلماحات (7)‎

الرفاهية والجودة والاطمئنان نقيض الدكتاتورية العضوية بتثبيت معياري صارم.

تتفاوت أضرار الدكتاتورية العضوية الواقعة على المواطنين، فمواطن تصيبه بضرر صحي إذ لا توفر له دواء فيعاني من تبعات المرض رغم بقاءه على قيد الحياة، ومواطن تقتله بجرعة عبر حقنة بعد اعتقاله تعسفًا. مواطن يصاب بعطب في أحدى حواسه بسبب تردي الخدمات الطبية، ومواطن تفقأ عينه أو أذنه عبوة دخانية اثناء خروجه مع جموع المحتجين للمطالبة بحقوقهم المهدورة، وبالعموم؛ تتفاوت أضرار الدكتاتورية العضوية الواقعة على الحواس والحاجات.

ولكن؛ ماذا لو كانت الدولة ديمقراطية فعلًا، بمؤسسات جيدة، ولكن مؤسسة واحدة فاشلة أو متخلفة عن بقية القطاعات الحكومية؟

هل نعتبر هذه الدولة دكتاتورية أم ديمقراطية؟

للإجابة على السؤال لزم أن يُلتفت الى علة تواطؤ النظام الديمقراطي مع بؤرة تشكلت في قطاع حكومي تسبب وجودها بالإضرار بالمواطن، ولم تُكافح من النظام. ينبغي أن تُصنَّف مثل هكذا دولة ونظام لوضعها في خانة تشخيص دقيق بإعتبارها بقعة بيضاء متواطئة مع نقطة سوداء ضمن مساحتها، فيوصف التواطؤ، وبناءً على الوصف يُصنَّف النظام، ومساهمة مني في تأسيس هذا التصنيف أرى ضرورة تفكيك قطاعات الدولة الحكومية وتقييمها كل على حدة، فإن عُثِرَ على البؤرة أسقِطَت شرعية الحكومة وأحيلت الى المساءلة القضائية اوتوماتيكيًا وكذلك وبشكل اوتوماتيكي تتسنم المعارضة المُنافِسة انتخابيًا والتي حازت أصواتًا أقل مقاليد الحكومة، كما وتوضع معادلة تعريفية للتعريف بنقيض الدكتاتورية العضوية تقول أن الرفاهية والجودة والاطمئنان نقيض الدكتاتورية العضوية بتثبيت معياري صارم.

المُثل الدكتاتورية؛ الدينية، القومية، الشيوعية؛ لا تأخذ من فهم الاغلبية إلا ما لا يُعتد به من الاهتمام والاستيعاب، ولهذا يتحول الاغلبية الى العوبة بين جهات سياسية حزبية أو فكرية أو عقائدية؛ حزب للتكسب وخلق الفرص للعمل السطحي أو حزب يحمل فكر سياسي أو حزب السردية الكبرى، فالماكنة الإعلامية أو الخطابية المُعدَّة لحزب سياسي تتمكن من خداع أو جذب جمهور غير مُعد ثقافيًا، ومن يحوز على أدوات وأجهزة التلاعب بعقول العامة من الناس سيتمكن من خداع عقولهم لأن الفكر السياسي والخبرة السياسية وطرق جذب الجمهور والإغراء الخطابي وتحريك عواطف الشعب والسيطرة على كل أو جزء من الإعلام أو خلق إعلام مؤثر وغيرها من طرق جذب الجماهير وسائل فكرية مثالية يهتم لها ويعرفها المختصون والسياسيون الكبار ونخبة الفكر والثقافة، وعلى مر التاريخ عمد السياسيون حين تسلطهم ازاحة المختص والمفكر والمثقف، فتفرغ لهم الساحة ليتحكموا بوعي الناس ويخدعونهم ويحولوهم لقطيع مطيع، وعندها يوجه الضرر الى حواسهم وحاجاتهم، أما لماذا يفعل المتسلط ذلك؛ فقد تبين من عنوان سلسلة المقالات أن الدكتاتورية العضوية تشابه المرض العضوي، والمرض يُسبب الضرر، وهذا التوصيف يتطلب دراسات وبحوث معمقة تخصصية للوقوف على تشخيص للمرض المتمثل في الدكتاتورية العضوية وكيف يتكون، وأن على الجهود البحثية التخصصية المتعاضدة تتبع مسار الدكتاتورية للوصول الى النبع والغوص فيه وإكمال تشخيصات علمية للتبلور، أي تبلور تلك الفكرة الضارة في ذلك العقل المصاب بنوع من الخلل.

يمكن لقادة النظام الحاكم في بغداد الإدعاء بديمقراطية الحكم، ولكن الطرح الذي تقرأون يكشف صدق أو كذب دعواهم، وهو كجهاز حماية كهربائي يحمي الأجهزة المنزلية من العطب والتلف، وهو طرح يعمل فوق الخط الفقر بالنسبة لمعيشة الشعب، ويحمي حواسهم وحاجاتهم بتوفير مؤسسات حكومية بجودة رفيعة، ويلتفت الى ضرورة توفر الاطمئنان الفردي والإجتماعي، اطمئنان اجتماعي عبر الديمقراطية العضوية، واطمئنان فردي عبر ليبرالية عضوية، وينسحب هذا على الاقتصاد والمعيشة، وجودة المؤسسات، وليتكفل أهل العلوم التخصصية بالمستوى المثالي من الدكتاتورية.

ما دمنا نتحدث عن حالة عضوية ومثالية، فالنزول الى الواقع دليل ارتباط مفهوم هذا الطرح بمصاديق من الوقائع، ولهذا عمدت في الاجزاء السابقة ذكر حالات من واقع المواطنين، وهاكم مثالين من الواقع يغذيان الدكتاتورية العضوية لهما أصل فقهي في أدبيات الإسلام السياسي:

- بحسب فتوى السيد علي السيستاني فإن: مظالم العباد ومجهول المالك؛ حكمهما واحد وهو جواز أخذهما والتصدق بهما، أما مظالم العباد فهي أن يكون في ذمتك مبلغ معين لشخص ما عدت تستطيع التواصل معه، بينما مجهول المالك ما يقع خارج ملكيتك وحيازتك ولكنه بلا مالك معلوم فيجوز لك وفق فتوى الفقيه أخذه بعد تجويز الفقيه لك، وبفضل هكذا فتاوى تمكن راهب حزب الدعوة فلاح السوداني من الاستيلاء على اربعة مليارات دولار " بعنوان مجهول المالك يسرقون ما يشاؤون والآن موجودة لا فقط عندكم. في أكثر البلدان، هنا موجودة ايضًا -يقصد بـ هنا: ايران- الآن هذه السرقات لأنه توجد فتاوى، بل 99% من الفتاوى الفقهية ترى أن الأموال الموجودة في البنوك كلها مجهولة المالك فمن يستطيع أن يأخذها فليأخذ كما يريد. هذه فتاوى فقهية موجودة ورسمية في أكثر الرسائل العملية (*).

- في كتاب: فقه الفضاء، للسيد محمد محمد صادق الصدر، ورد في باب الاجتهاد والتقليد التالي:"

13: في الرحلات الفضائية للدول المعاصرة، فإن المركبة وكل ما فيها هو من المال المجهول المالك، يحتاج التصرف فيه الى إذن الحاكم الشرعي، حتى الطعام واللباس ما لم يكن ملكًا شخصيًا.

14: يعتبر ما في الكواكب والنجوم الأخرى من مواد منقولة وغير منقولة، مأكولة وغير مأكولة، هي من المباحات العامة وتدخل في ملك من يحوزها.

15: إذا وجِدَ في بعض الكواكب أو النجوم مخلوقات عاقلة مالكة لبعض الحاجات المنقولة أو غير المنقولة. فمقتضى الاحتياط صيانة هذه الملكية وعدم سرقتها. إلا إذا ثبت كونهم غير مسلمين".

بحسب تصريح للدكتور أحمد الأبيض فإن مقتدى الصدر كان يتقاضى نصف مليون دولار شهريًا من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لدعمه في البقاء بالمنصب.

ولهذا أطالب بديمقراطية عضوية وليبرالية عضوية، وملاحقة بؤر الدكتاتورية العضوية في مؤسسات الدولة، وعدم التهاون مع الإضرار بالمواطن بحجة تفاوت الضرر " وأن على الجهود البحثية التخصصية المتعاضدة تتبع مسار الدكتاتورية للوصول الى النبع والغوص فيه وإكمال تشخيصات علمية للتبلور، أي تبلور تلك الفكرة الضارة في ذلك العقل المصاب بنوع من الخلل".

إشارة

* يوتيوب: كمال الحيدري يقولها بصراحة: المراجع يُحللون سرقة اموال الدولة والبنوك لأنها مجهول المالك.