هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (11)‎‎

كوبرنيكوس الشيعي لم يظهر بعد ليأتي بمكتشف علمي يضرب من داخل الثابت الذهني المقدس.

في القرن التاسع عشر، بعد ما تحققت العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير أصبحت سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع وهذه هي الليبرالية.

الديمقراطية مكونة من أربعة مكونات:

العلمانية "القرن السادس عشر"

العقد الإجتماعي "القرن السابع عشر"

التنوير "القرن الثامن عشر"

الليبرالية "القرن التاسع عشر"

وقد استغرقت أربعة قرون، وفي القرن العشرين ظهرت الثورة العلمية والتكنولوجية، اذن؛ انظر الى النتيجة الخطيرة: الثورة العلمية والتكنولوجية هي ثمرة رباعية الديمقراطية، فإن لم تتوفر رباعية الديمقراطية فلن تتحقق الثورة العلمية والتكنولوجية. (1)

مراد وهبة

.................

العلمانية:

secularism- اللفظ باللغة الإنجليزية

sécularisme- اللفظ باللغة الفرنسية

laicus- اللفظ باللغة اللاتينية

وترجمة اللفظ عن الانجليزية والفرنسية الى اللغة العربية غير دقيق. ويرى الدكتور عزمي بشارة أن المعنى الأصوب للترجمة هو "الدهريون" من الدهر.

يرى مراد وهبة أن عصر العلمانية تحرك بنظرية كوبرنيكوس حين فند التصور القائم آنئذ من أن الأرض ثابتة لا تتحرك وهي مركز الكون تطوف حولها الشمس والأفلاك. وبطرحه الذي يناقض التصور التبجيلي عند المسيحيين ضرب مباشرة تصور لاهوتي ذهني ملخصه أن الأرض التي استقبلت المسيح وحملته لا ينبغي لها إلا أن تكون السيدة الثابتة المركزية تطوف حولها كل الأجرام، فإن ثبت غير التصور المعهود تحركت العقول بالاسئلة، ويكفي أن العقول تتحرك بالأسئلة، وهذا التحريك وإن نظرنا له كمساهمة بسيطة، أو قد يراها البعض ضئيلة، هي مساهمة في مجال المقدس، المقدس الذي يدعو ويصلي ويدافع للإبقاء على ثباته وثوابته، فكم سيكون تأثير التحريك البسيط المحدود كبيرًا ومعمقًا إن حصل في مجال المقدس.

لو أن نيكولاس كوبرنيكوس (2) ذلك الراهب البولندي جاء بمكتشَف طبي أو جغرافي لما احدث تلك الضجة التي حركت العقول ونبهتها في مجال الثابت الديني، فلو كان كوبرنيكوس قد أكتشف عِقارًا لمعالجة الطاعون أو اكتشف جزيرة على مبعدة من اوروبا ما كان ليضرب ثابتًا مترسخًا في ذهنية مسيحيي اوروبا، وهذا هو انجاز كوبرنيكوس فيما يتعلق بمجابهة الخرافات الدينية الكبيرة، وهو ما لم يحدث في العالَم الشيعي المتوسِع الذي يوالي أو يخضع لولاية الفقيه، فكوبرنيكوس الشيعي لم يظهر بعد ليأتي بمكتشف علمي يضرب من داخل الثابت الذهني المقدس.

اكتشاف كوبرنيكوس بحد ذاته هو من حرّكَ النظرة العلمية بعين تبصر من داخل العالَم، ولو كان اكتشافًا غير هذا الاكتشاف لما تأثرت به سلطة الدين العلمية المبنية على النص المقدس ومقولات أرسطو والفلاسفة القدماء فيما يختص بالطبيعة والكون، ولكن لفظة "علمانية" لم تُشتق من "عِلم" بل من "عالَم" (وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة "العلم" SCIENCE التي اشتُقَّت منها، ومعناها الأقرب إلى الصحة هو "الدنيوية" و"اللادينية")، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل، وحساب المصلحة بعيدا عن الدين(3).

هذا الاكتشاف الكوبرنيكوسي بالتحديد، تعلق نقضًا بسلطة الدين العلمية، أي انه فحص تصور ديني له قدسية في اذهان المؤمنين بالدين، وبعد الفحص تشخّص بطلان التصور الديني المقدس عند المؤمنين بالدين(4)، ولو كان فحصًا لا يتعلق بتصور له قدسية دينية لما التفتت له الكنيسة وأذهان المؤمنين، ولهذا لا نرى تأثيرًا علمانيًا لجموع علماء صناعة الصواريخ والأسلحة والأدوية والمنتجات التقنية والهندسة والفضاء ومئات المجالات العلمية الأخرى في ايران، فليس من اكتشاف علمي قد ظهر يتعلق نقضًا بتصور ديني مقدس.

إشارات

(1) يوتيوب بعنوان: مراد وهبة - مفهوم الديمقراطية (أول سبعة دقائق)

(2) نيكولاس كوبرنيكوس هو راهب وعالم رياضيات وفيلسوف وفلكي وقانوني وطبيب وإداري ودبلوماسي وجندي بولندي كان أحد أعظم علماء عصره. يعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها في كتابه «حول دوران الأجرام السماوية». وهو مطور نظرية دوران الأرض، ويعد مؤسس علم الفلك الحديث.

(3) تاريخ ظهور العلمانية.. "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسّ"

مقال منشور على موقع: الجزيرة - aljazeera. net

(4) "لقد فرضت الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى، اعتبارَ الأرضِ مركز المجموعة الشمسية، واعتبار روما مركز العالم. هذه المعطيات القبلية كانت عقبةً كَأْدَاءَ أمامَ كل باحثٍ وعالِمٍ يسعى لتجاوز هذا الموروث الخاطئ.

أحدث كوبرنيكوس / Copernic هزةً نوعية وثورةً شاملة في علم الفلك، بعد أن ألغى كلّ القوانين والأعراف والأفكار السائدة والخاطئة عن علم الفلك. وتحدى في ذلك الكنيسة والرهبان والمُنجمين والسياسيين. وأعلن حصيلتَهُ من العمل والبحث والدراسة التي امتدت على مدى عشرين عاماً، والتي تقول بمركزية الشمس، وإنّ كلَّ الكواكب تدورُ حولَها، وإنّ الأرض مجردَ كوكبٍ ضمن المجموعة الشمسية. مُشجعاً بذلك الباحثين والعلماء على تبنّي التفكير العلمي والانطلاق من "الشك المنهجي" للوصول إلى اليقين؛ بدلَ البناء على الجاهز والاستسلام للموروث المعرفي المشكوك فيه"

مقال بعنوان: الشك المنهجي أو البُرهان بالخُلْف.

د. الحسين بشوظ