هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (15)‎‎

ينتفي العقد الاجتماعي لدى رعايا الدول الدينية الشيعية. هم مواطنون في دول النيابة الموكلة عن الغيب المُعتقَد به، فدولة الولي الفقيه تنوب عن دولة إمام مضى على غيبته أكثر من ألف عام.

في القرن التاسع عشر، بعد ما تحققت العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير أصبحت سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع وهذه هي الليبرالية.

الديمقراطية مكونة من أربعة مكونات:

العلمانية "القرن السادس عشر"

العقد الإجتماعي "القرن السابع عشر"

التنوير "القرن الثامن عشر"

الليبرالية "القرن التاسع عشر"

وقد استغرقت أربعة قرون، وفي القرن العشرين ظهرت الثورة العلمية والتكنولوجية، اذن؛ انظر الى النتيجة الخطيرة: الثورة العلمية والتكنولوجية هي ثمرة رباعية الديمقراطية، فإن لم تتوفر رباعية الديمقراطية فلن تتحقق الثورة العلمية والتكنولوجية.

مراد وهبة

.................

الديمقراطية

حكم الشعب؛ هذا مُلخّص المعنى اللفظي والقصدي من كلمة: ديمقراطية وهي شكل من اشكال الحكم.

كما يلاحظ القارئ الفطن أننا تنقّلنا في عدة مقالات يرافقنا قول مراد وهبة الذي جعلت منه مفتتح المقالات الأربعة إضافة لهذا الذي نقرأه الآن.

"مهما كان الانسان ذكيًا، فلا بد أن يستلهم افكاره من الآخرين".

لنخطو أربع خطوات تساؤلية نتفحص من خلالها حقيقة هل من ديمقراطية في واقع الشيعة أو هل من امكانية لتحققها أم لا:

- هل من رجل دين امتهن -اضافة لممارسته وظيفة أو عمل ديني- مجالًا علميًا تخصصي كعالِم باحث فتوصل الى اختراع أو اكتشاف ضرب فيه ثابت ديني اسطوري، ولأنه من الوسط الديني فستكون ضربته من داخل الوسط الديني، وسيكون لمُكتشَفَهُ تأثير مضاعف لأنه من داخل الوسط ويتعلق بثابت ديني. أنا هنا أشير الى كوبرنيكوس وكما تحدثت عنه في المقال رقم "11" والذي يحمل عنوان: العلمانية.

- هل في واقع شيعة العراق وعموم شيعة المنطقة دستور واحد يُعبِّر عن عقد اجتماعي يتنازل فيه الأفراد كُلٌ عن جزء من حريته مقابل تمتعه ببقية حريته اضافة لحمايته وتنظيم شؤونه الحياتية بقوة قانون تشكَّل من مجموع تنازل الافراد عن جزء من حريتهم بإرادتهم لتنتظم حيواتهم في دولة قانون وديمقراطية.

- هل مواطنو الدول أو الأقاليم التي يهيمن عليها الدين الشيعي يستمدون نور عقولهم من دولة علمية، متقدمة، مؤسساتية، أم يستمدون نور عقولهم من عقيدة تخبرهم أن نور العقل والقلب والنفس يأتي من عالم آخر لا يمكن تحديد مكانه وخصائصه وأن الدولة العصرية العلمية المتقدمة تجسد شيطاني يحارب دولة الله التي هي النور الحقيقي وأن نور الدولة الحديثة ما هو إلا ظلمات تعلوها ظلمات.

- هل الفرد الشيعي حرٌ إن أراد التعبير عن موهبة علمية توصله لمكتشف أو اختراع قد يناقض نص أو رواية مقدسة، ولنتصور أن هذا الفرد الشيعي الموهوب والمتفوق طالب بدولة الليبرالية العلمية تُسَن قوانينها بما يخدم العالِم وحرية بحثه وإشهار اختراعاته دون تخوف من قمع ديني أو إسلام سياسي.

"رباعية الديمقراطية" كما يُعبِّر عنها مراد وهبة تتشكل بتدرج يبدأ بالعلمانية ثم العقد الإجتماعي فالتنوير ثم الليبرالية.

هل يتمكن الشعب من فهم وممارسة الديمقراطية دون علمنة، وعقد حرية ومسؤولية، وتنوير عقلي علمي، وليبرالية سقفها الليبرالية العلمية.

يحكم الشعب نفسه عبر ممثلين هم الحكومة المُنتخبة، والشعب يحكم نفسه بهم بما تنازل لهم من حريته، أما القسم الذي لم يتنازل عنه فهو حقه في انتخاب غيرهم في دورة انتخابية قادمة، وهو حق الإحتجاج والتظاهر، وتوجيه النقد لسياسات الحكومة عبر الصحف والتلفاز ووسائل التواصل، أما الضوابط القانونية التي تُقنِن الإقتراع والتظاهر والنقد والصحافة فهو ما تنازل عنه المواطنون ليكون من صلاحيات الحكومة، وهذه الدورة الحقوقية تُشكِّل نظام الدولة. فالفرد تنازل عن "إطلاق يده" الطبيعي ليصنع مع افراد آخرين فعلوا كما فعل نظام مواطنة يحصل فيه على حرية قانونية في كنف دولة-مؤسسة يديرها جهاز حكومة يعمل فيها افراد من الشعب انتخبهم الشعب ليحكم عبرهم نفسه بعد أن تنازل لهم جزئيًا بقبوله بوثيقة هي الدستور الذي هو العقد الإجتماعي الموثق بنصوص، ووفق الدستور يتعاقد المواطنون فيما بينهم لتتكون الدولة من شعب وحكومة، وحرية ومسؤولية، حقوق وواجبات.

هذا هو الفارق بين افراد يعيشون في غابة أو بقعة ما ومواطنون يعيشون في دولة، فالفرد مُطلق اليد، والمواطن حر بمسؤولية، وقد اضافت الدول المتقدمة العصرية امتيازات في الحقوق والرعاية والتعليم وغيرها لتخلق مواطن مُميز بوعيه ودوره ومساهماته وإبداعاته، وكل ما ذكرته في الشرح الآنف يفتقر إليه رعايا الدول الدينية والدكتاتورية، فرعايا الدول الدينية هم مواطنون في دول النيابة الموكلة عن الغيب المُعتقَد به، فدولة الولي الفقيه تنوب عن دولة إمام مضى على غيبته أكثر من ألف عام، إذًا؛ العقد الإجتماعي بصيغته المكتوبة وسياسات النظام الحاكم وكل مؤسسات الدولة النائبة وامكانياتها ومواطنيها مُسخّر بالفرض لصالح العقيدة الغيبية، فالعقد بين حكومة وغيب، والمواطن يخضع بقوة قدسية العقيدة للعقد المُقدس، وعليه تنتفي الديمقراطية بإنتفاء حكم الشعب لنفسه بنفسه في حيز العالَم المحسوس المُعاش، وهذه مفارقة وخلل.