ورطةُ الشيعي (1)
يتورط الفرد الشيعي العراقي المُبتلى بظروف المعيشة وتقلبات السياسة والاقتصاد ورداءة التعليم والثقافة بتعقيدات مقولات أهل الفقه والحوزة. فهو يسمع من السيد كمال الحيدري أن الإمامة ليست أصلًا من أصول الدين كالصلاة. والسيد يجعل من القرآن محورا، والسنة مدارا، وهو يُفرّق بين "آمنوا" و"أطيعوا" ويدرج الإمامة في خانة الإطاعة إذ هي ليست فرضًا ايمانيًا.
يقول السيد الحيدري: "الى هنا أتضح لنا أن الإمامة بالمعنى الشيعي لها التي يُعبّر عنها الإمامة بالمعنى الخاص، الإمامة بالمعنى الأخص، الإمامة بالمصطلح الشيعي، هذه لا ضرورة دينية. هي لا أصل من أصول الدين ولا ضرورة من الضرورات الدينية."(1) ويستشهد السيد بنصين من القرآن ليُشير للمطلب. فنص القرآن الذي يحض على طاعة علي بن ابي طالب بعد الله والرسول يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"، وايضًا: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ". بينما نص القرآن الذي يحض على الإيمان يقول:"آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" ولا يدرج علي الإمام في السلسلة التي ينبغي الإيمان بها، فالإيمان يكون حصرًا بالله ورسوله.
"ولهذا من اليوم أگعد في البيت مولانا، ابحث، واسأل من تعتقد أنه من أهل الاختصاص، قل له: اذا وجّه الينا السؤال: أين توجد في القرآن آية تدل على أن الإمامة من الإيمانيات ومن العقائديات، لا من الفقهيات والفرعيات.. بأي آية نستدل؟"(2)
ولكن الشيخ عبدالحليم الغزي يستشهد بنص روائي ينقض رأي السيد الحيدري: "نحن شيعةٌ، ولنا إمام، ونُريد أن نكون في فِناء إمامنا، نريد أن نكون مهدويين، في فِناء إمامنا المهدي، صلوات الله وسلامه عليه، ولن نكون في هذا الفِناء حتى نحوز معرفته، والمعرفة الأرقى هي المعرفة بالنورانية، كلمات الإمام واضحة وجلية، كلمات سيد الأوصياء: إنه لا يستكمل أحدٌ الإيمان حتى يعرفني كُنه معرفتي بالنورانية، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفًا مستبصرًا، ومن قصّرَ عن معرفة ذلك فهو شاكٌ ومُرتاب".(3)
تتلخص ورطة الشيعي الإثني عشري أنه قليل المعرفة بتعقيدات هذه الآراء وتناقضاتها، وتندر معرفته بحدود النص القرآني الذي يتناول هذه المسائل، ولستُ أفهم أي دين يتبع أن لم يحط علمًا بهذه الآراء ويبحث فيها ويكتشف الصحيح منها ويُقيمَ عقيدته بما توصل اليه من نتيجة بحثية، وبدءًا يتساءل: هل أن البحث بهذه الآراء التي تطرحها طبقة الفقهاء والتخصص فرضٌ ديني أم لا؟
كم هي نسبة الشيعة المدركين لهذه المقولات والآراء؟
ولكن المنبري يرتقي ويخطب بالناس أن الإمام المهدي باب الله الوحيد ولا ينال المرء جائزة دخول الجنة إلا بالاعتقاد به، وأن من لم يشفع له الحسين فلا شفاعة تخلصه من عذاب جهنم، وأن ولاية علي فرض كالصلاة، وعلى هذا المنوال يتحرك الشيعي المسكين فيستهلك من ماله وجهده ولسانه لإثبات الولاء مستبعدًا دور العقل، غير مكترث بالاختلافات الفقهية والعقدية الناشبة بين متخصصي الحوزات.
لا يلتفت عامة الشيعة الى ضرورة لا مناص من إدراكها للبت في أمر هو من أساسيات الدين، وأعني النصوص التراثية أو كتب الشيعة التي بلورت الذهنية التقديسية للتشيع الإثني عشري، فالذي يزعم أن الدين حق؛ مُلزمٌ بشطب التناقض في نصوص الدين وتوحيد آراء زعماء المذهب لنُصدّق أن من ربهم صدر قول واحد، وإلا فالحال يوحي بأن للفقهاء أكثر من رب، أو أنهم زعموا زعمًا يُرتاب فيه بوجود رب واحد، ودليل أن قولهم مجرد زعم اختلاف آراءهم، ولا أدري لِمَ لا يعقد فقهاء الشيعة مجمع مسكوني لتوحيد الرأي في ما يزعمون أنه النور الذي شملهم دونًا عن المذاهب الأخرى، وأعني الإمامة من تولٍ لعلي بن أبي طالب إذ بزعمهم إنه هو الحق بعينه والإيمان كله، وأن المهدي محمد بن الحسن العسكري الذي غاب في سامراء بلغ من العمر ألف ونيف من السنوات، وعدة عقائد أخرى ينفرد بها الشيعة، ويُصار الى توجيه عوام الشيعة وفق ما يتفق عليه فقهاء المجمع، وسلامٌ قولًا من ربٍ رحيم.
إذن؛ الإشكال في جوهره متأتٍ من تناقض النص التراثي، وبدرجة ثانية من تفاوت فهم الفقهاء لهذا النص، بينما عامة الشيعة يتخذون طقوسًا ومواقفًا دينية دون أن يبحثوا في الإشكال ويختارون منه ما يُشكّل ايمانهم وطقوسهم ومواقفهم من التأريخ الإسلامي وفق اتفاق على النصوص رأسه بين الفقهاء وقاعدته الأتباع، وإلا فلِمَ يتوزع فقهاء الشيعة الى مذاهب في الرأي بخصوص النصوص الشيعية، وهاكم مثال: "ولا أريد أن أدخل على الشيخ الطوسي حتى أبين لكم كم أفسد في فقه الإمامية".(4) (*)
-----------------------
(1) مقطع يوتيوب بعنوان: معنى كون الإمامة أصل من أصول الدين. السيد كمال الحيدري.
(2) مقطع يوتيوب بعنوان: تساؤلاتي لمن يقول أن الامامة من أصول المذهب. السيد كمال الحيدري.
(3) مقطع يوتيوب بعنوان: الشيخ الاستاذ عبد الحليم الغزي - كيفية معرفة الامام الحجة وما هو الطريق اليه؟
(4) مقطع يوتيوب بعنوان: ينتقد ملا صدرا الشيرازي. السيد كمال الحيدري.
(*) بودي أن يرجع القارئ النَبِه الى مقطع اليوتيوب ليُدقق في كلام السيد الحيدري وقد أشار إلماحًا ولكن بعناوين ومسميات الى ما نطرحه من إشكال وهو ورطة الشيعي الإثني عشري" (كاتب المقال)